لم نسمع كلمة من رئيس الحكومة د. عبدالله النسور، كما من أي من وزرائه، بشأن شحنة أسطوانات الغاز التي مورست ضغوط كبيرة على مدير مؤسسة المواصفات والمقاييس د. حيدر الزبن، لإدخالها إلى السوق المحلية.
المعلومات تقول إن “الدوار الرابع” لم يكلف نفسه عناء السؤال عن الشحنة ومصيرها. كما تؤكد أيضاً أنه طُلب رسميا من د. الزبن عدم التصريح لوسائل الإعلام إلا بموافقة رسمية. هذا في وقت يعقد فيه مدير عام شركة مصفاة البترول مؤتمرا صحفيا يطعن خلاله بكل ما جاء من معلومات من “المواصفات والمقاييس” التي تمثل الذراع الحكومية للرقابة على جودة المنتجات.
تاريخيا، يربط الأردنيون رؤساء الحكومات بأحداث ومواسم جسيمة، تتداولها الأجيال. والخشية هي أن تصبح حكومة د. النسور “حكومة شحنة الغاز”، بعد أن كانت حكومة “رفع الأسعار”.
تحت قبة مجلس النواب، لم تُثَر القضية أيضا بالحجم المطلوب. لنكتشف أن السلطتين التنفيذية والتشريعية مشغولتان بما هو أهم من شحنة فيها 250 ألف أسطوانة غاز مشكوك في صلاحيتها. بل نرى ونسمع عن التفاف هنا وتحرك هناك، لإدخال هذه “القنابل” إلى منازلنا!
كل ما سبق في ضفة، وكلام مدير عام “المصفاة” بشأن عدم قدرة المختبرات المحلية على فحص الأسطوانات في ضفة أخرى؛ فهل لعطوفته أن يخبرنا كيف اعتُمدت نتائج هذه المختبرات في الماضي؟ وما هي نوعية الأسطوانات الموجودة اليوم في منازلنا؟
موقف الزبن لم يتزحزح، وكلامه واضح لا لبس فيه، يتضمن تأكيدات موثقة بأن الشحنة محل الجدل خضعت لأربعة فحوصات؛ اثنان منها في ألمانيا وبريطانيا، كلها أثبتت عدم صلاحيتها.
الالتفاف بدأ عندما قررت “المصفاة” تشكيل لجنة لإجراء فحص خامس، لتقنعنا بعد كل التقارير السابقة بأن الأسطوانات صالحة وآمنة؛ لن تنفجر في أحضاننا، ولن تجعلنا قلقين مستقبلا ومرعوبين على أطفالنا وأهلنا.
القرار جاء على غفلة. والملفت أن “المصفاة” ستتوجه إلى أحد المختبرات التي فحصت عينة من الشحنة سابقا، وهو مختبر “TOV” الألماني، ولدى “المواصفات والمقاييس” تقارير تؤكد ذلك. فكيف لنا أن نثق بعد اليوم بحرص الحكومة علينا؟!
والخطير في القصة أن “المواصفات والمقاييس” لم تشارك في أخذ العينة الأخيرة، وكذلك نقابة أصحاب محطات المحروقات؛ وأن الاختيار تم من قبل اللجنة المشكلة من قبل الحكومة. إذن، ما الذي يضمن صحة الاختيار، وعدم التلاعب بالعينة؟!
“المصفاة” تقول أيضاً إن الاستيراد تم بموافقة “المواصفات والمقاييس”، ولا أظن أن ثمة عيبا في ذلك. فالموافقة على اسم الشركة المستورد منها، لا يعني التسليم بصلاحية ما تنتج، بغض النظر عن سمعتها. بل المنطق وأمانة المسؤولية يفرضان فحص البضاعة أيا كان مصدرها، قبل وصولها لأيدي المستهلك. وفي العالم شركات كبرى تبادر إلى سحب منتجاتها من الأسواق لعيب فني فيها، حرصاً على اسمها.
الظاهر أن للمصفاة أسبابها للإصرار على إدخال الشحنة. ومما يتداول بهذا الشأن، أن إدارة الشركة تورطت ودفعت مسبقا للمستورد 80 % من سعر الشحنة، وبما يعادل قرابة 8 ملايين دينار.
لا أجد مصلحة للزبن في تعطيل الشحنة، والدخول في مواجهة ربما تطيح به. ولا أرى دافعا لدى الرجل لدخول هذه المعركة، إلا إيمانه بالدور الكبير الذي يقوم به، وحرصه على سلامة الأردنيين.
الواضح أن الأمور تأخذ مجرى مريبا. والخشية، بحسب ما يقتضي السيناريو المرسوم، أن تعود لنا “المصفاة” بتقرير يؤكد سلامة الشحنة، وتتمكن من تمريرها.
القصة بدأت تكبر وتخرج عن سيطرة مدير “المواصفات والمقاييس”؛ الأمر الذي يتطلب تدخل جميع الجهات الرقابية، بما فيها مجلس الأمة بغرفتيه. ولا ضرر من دخول هيئة مكافحة الفساد على الخط، للوقوف على حقيقة القصة، ووقفها عند الحدود التي تكفل حق الناس في عيش آمن.
السكوت لن ينفع أحدا، وكلنا عرضة لقنبلة موقوتة في منازلنا، في حال تمكنت الجهات ذات المصلحة من تحقيق أهدافها.
في الفحوصات التي يزعم مدير عام “المصفاة” أن عيناتها لم تؤخذ بطريقة سليمة، وُجد أن 18 من بين 25 أسطوانة خضعت للفحص، لم تكن سليمة وغير مطابقة للمواصفات. فماذا لو دخلت هذه العينة فقط للسوق؟ وكيف الحال مع ما تبقى من الـ250 ألف أسطوانة؟
المستورد و”المصفاة” لم يعترفا بأربعة اختبارات، فكيف يريدان الاعتراف باختبار وحيد، تم في الظلام؟!.