واحد وخمسون عاما مضت منذ قيام ثورة 26 سبتمبر عام 1962 واليمن لم يهدأ ولم يستقر، انقلاب عسكري يتبعه انقلاب آخر، ويذهب ضحية تلك الانقلابات أبرياء لا شأن لهم بهذا الانقلاب أو ذاك.
بعد قيام الثورة بقيادة السلال ورفاقه بقيت اليمن في حرب ضروس دامت خمس سنين عجاف، لم تبن خلالها مدرسة ولم يرصف شارع ولم يبن مستشفى، كانت سنين دامية، حرب مصرية سعودية على تراب اليمن، الأول كان إلى جانب الانقلابيين / الثورة، والثاني كان إلى جانب الشرعية الملكية المخلوعة والضحية كان اليمن.
في هذه الفترة الزمنية برزت أو أُبرزت زعامات قبلية بقيت متنفذة وتستمد قوتها من خارج الحدود عبر القوة المالية وكم مليارات من الدولارات أنفقت لتسييد طرف على طرف وفوق هذا كله لم تستفد اليمن من كل تلك الأموال التي ذهبت لكسب ولاء شيوخ القبائل، واليمني بقي على حالة ميزر وخنجر ونعال مصنوع من بقايا عَجل السيارات (كفرات).
سقط السلال ونظامه بانقلاب عسكري ونصب القاضي عبد الرحمن الارياني وكانت نهايته انقلابا عسكريا بعد سبع سنين في الحكم، عبر تلك السنين لم ينعم اليمن الشمالي بالأمن والاستقرار، وكانت نهاية الارياني انقلابا عسكريا، وجاء إبراهيم الحمدي لسنوات ثلاث كاد أن يستقر اليمن وتتحقق آماله في الأمن والتنمية ولكن باغته انقلاب عسكري واغتيل الحمدي، رحمه الله.
وتسلم السلطة أحمد الغشمي ولم يكمل عامه الأول حتى دبر له انقلاب عسكري أودى بحياته وجيء بعبد الكريم العرشي وحكم اليمن شهرا واحد وآثر الاستقالة، مدركا أن حياته في خطر وأن اليمن يسير نحو حقبة مظلمة مدلهمة لا يستطيع تقديم أي إنجاز للشعب اليمني،
بعد تلك الانقلابات تسلم القيادة علي عبد الله صالح وحكم اليمن الشمالي “الجمهورية العربية اليمنية” 12 عاما، كان منشغلا طوال تلك الفترة بتثبيت دعائم حكمه، كان ماهرا في تأليب النعرات القبلية بعضها ضد بعض وانشغل بفك الاشتباك بين تلك القبائل ويعود مرة أخرى ليثير الضغائن من جديد وتتفجر الحالة الأمنية وهو يراقب.
(2)
في 22 مايو 1990 توحد اليمن شماله وجنوبه وعين علي عبد الله صالح رئيسا لدولة الوحدة وبقي في منصبه حتى عام 2012 وأزيح شكلا عن منصبه على إثر ثورة شعبية وتدخلات دول مجلس التعاون الخليجي.
أستطيع القول إن علي عبد الله صالح حكم اليمن بشطريه 22 عاما تدفقت على اليمن في عهده مليارات الدولارات بشكل معونات من دول خليجية ودول أخرى ومساعدات من البنك الدولي، لكن بقيت اليمن في عهده بلا مشروع للتنمية الاقتصادية والإدارية، لم يكن عند الرئيس ومؤسساته مشروع بناء دولة حديثة، علما بأن الظروف المحلية والإقليمية والدولية كانت مواتية لبناء دولة عصرية.
اليمن ليست فقيرة، إنها تتمتع بأربعة فصول إنتاجية في السنة إن أُحسن تفعيلها لصالح الإنتاج، وأن اليمن تملك من الثروات الزراعية والطبيعية والسياحية ما يؤهلها لتكون قبلة السياحة العالمية التي تدر عليها أموالا طائلة لميزانية الدولة.
في عهد عبد الله صالح سادت دبلوماسية الاختطاف أو إن شئت سياسة الابتزاز للحصول على المال وتحقيق المشاريع للبنية التحتية لمعظم محافظات اليمن التي ابتعدت عنها الدولة ونفر السياح عن اليمن لكثرة المختطفين من الأجانب، وفي عهده راجت تجارة وزراعة “القات” ويكاد أن يكون استهلاك القات في بعض الحالات أهم من وجبة غذائية بالنسبة لكثير من اليمنيين.
ما أريد قوله هنا إنه كان بإمكان الرئيس علي عبد الله صالح بالتعاون مع منظمة الأغذية الزراعة الدولية (الفاو) أن يجد سبلا لزيادة الإنتاج الزراعي الذي يحقق عائدات اقتصادية تحقق أعلى دخل للإنسان اليمني بدلا من زراعة أشجار القات التي تحتاج إلى كميات كثيرة من المياه وكثرة استعمال القات تسبب أمراضا سرطانية في الفم والرقبة، أجارنا الله.
(3)
في عهد علي عبد الله صالح معظم المحافظات ينهشها المرض والفقر والأمية والحرمان من التنمية بكل حقولها، كانت الأموال والمساعدات العربية والأجنبية تصل إلى صنعاء لكنها تصرف تحت بند محاربة الإرهاب، والإرهاب في أساسه (القاعدة) من صنع النظام، يستدعيه عند الحاجة، وازداد الأمن انفلاتا، وتصاعدت عمليات الاغتيالات لضباط الجيش ورجال الأمن وقيادات سياسية بعد الرحيل الشكلي لعلي عبد الله صالح عن سدة الحكم، والحق أنه ما برح اللاعب الأساسي لكل مصائب اليمن حتى لا يستقر في عهد غيره، والحل الأمثل هو تجميد أموال الرئيس السابق وقيادات حزبه وأفراد أسرته ووضعه تحت الإقامة الجبرية، كي لا يتواصل مع أنصاره، كل ذلك من أجل تحقيق أمن الشعب والدولة اليمنية.
(4)
في عام 2003 انطلقت مسألة الحوثيين عندما زار عبد الله صالح صعدة واعتلى المنبر ليقول كلمة في جموع المصلين، فوجئ بهتافات بين المصلين يهتفون “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل والنصر للإسلام”، فتم اعتقال 600 من هؤلاء فورا، وفي صنعاء رددت تلك الشعارات خارج المسجد الكبير، فاعتقل 640 مواطنا ومن هنا ثارت فتنة الحوثيين وكان من أسباب نشأتها علي عبد الله صالح الذي كان بإمكانه معالجة تلك الظواهر بدبلوماسية الاستقطاب والاحتواء بدلا من المواجهة.
وعلى إثر ذلك دخلت محافظة صعدة في مواجهة الدولة في ست حروب، واحدة منها زج بالمملكة العربية السعودية في أتونها وما برحت الحرب بين الحوثيين والدولة قائمة وآخرها اجتياح مناطق عمران وإحراق مقر شيخ مشايخ حاشد عبد الله بن الأحمر وسوف تكون لذلك الفعل عواقب وخيمة في اليمن.
الحكومة اليمنية المؤقتة تقول بأنها ستكون على الحياد في الحرب الدائرة بين الحوثيين وقبائل حاشد، من غرائب الأمور أن الدولة لا تستطيع أن تفرض الأمن والسلم وهي تملك كل وسائل القوة، والسؤال: أليست هذه الحرب إحدى جرائم عبد الله صالح المخلوع، كيف يملك الحوثيون دبابات ومدرعات وصواريخ ومدفعية ثقيلة ولا أستبعد أن تكون لديهم صواريخ أرض جو مضادة للطائرات، إنهم يريدون السيطرة على محافظات الشمال الغربي في طريقهم إلى صنعاء لفرض إرادتهم.
آخر القول: سؤال بريء.. هل نفهم أن السكوت على ما يفعل الحوثيون اليوم المستهدف هو إخراج بيت بن الأحمر من الشأن اليمني، أم أنه لكسر أنف حزب الإصلاح السني تماشيا مع ما هو سائر في مصر وغزة، والعراق؟ دول مجلس التعاون مسؤولة عما يجري في اليمن، والتاريخ سيكشف ما بطن ونكون كلنا من النادمين.
د.محمد صالح المسفر/اليمن والأمن والإسلام والتنمية
14
المقالة السابقة