بعد عشرة ايام من المماحكات في “جنيف 2″، قال الاخضر الابرهيمي انه سعيد جداً “لأننا ما زلنا نتحدث، فالجليد يذوب ببطء لكنه يذوب”، وقياساً بما حمله وفد النظام الى المفاوضات، يمكن القول ان الابرهيمي بات عالقاً في قطب متجمد يذوب ببطء لتهدر أنهار الدماء في سوريا!
كان عليه ان يذكر ان الايام العشرة للمفاوضات التي ركزت على المسائل الانسانية حصدت اكثر من 1900 قتيل، في حين تدك البراميل المتفجرة درعا مع حمص. لكن لندع الجليد الذي يقطر دماً، ونتأمل في عراضات وفد النظام، الذي استمات لتغيير مسار “جنيف 2” عبر سعيه لتقديم موضوع الارهاب على مسألة الانتقال السياسي التي هي جوهر الحل منذ النقاط الست التي وضعها كوفي انان واستند اليها بيان “جنيف 1” في حزيران الماضي.
منذ اللحظة الاولى حاول وليد المعلم ارهاب بان كي – مون والمؤتمر عبر خطابه الذي حاول ان يسقط الانتقال السياسي،ليحوّل المؤتمر اعلاناً دولياً للحرب على الارهاب بقيادة الاسد وحلفائه. كان الامر مثيراً للاستغراب واليأس والسخرية، فحتى عندما وافق وفد النظام على مناقشة بيان “جنيف 1” تبين انه يبني موافقته على قراءة تحريفية يراد منها التملص من موضوع الانتقال السياسي!
عندما سأل الابرهيمي الوفدين تقديم تصور لبيان جنيف، رد وفد المعارضة بالتركيز على الجوهر اي تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات توقف الحرب وتنقل سوريا الى عهد جديد يحارب الارهاب ويقوم على الديموقراطية والحرية، لكن وفد النظام استأخر الرد يومين وجاء بتفسير يهدف الى تزوير البند الاول من بيان جنيف، الذي دعا في حينه الى “وقف العنف” وكان المقصود تحديداً عنف النظام، الذي بدأ بتكسير اصابع الاطفال في درعا ثم باطلاق النار على المتظاهرين سلمياً، ثم باستخدام الدبابات والمدافع وصواريخ “سكود” وسلاح الطيران ثم بالكيميائي.
اخيراً قبل النظام مناقشة اتفاق جنيف مشترطاً المناقشة بنداً بنداً وبالتسلسل، لأن البند الاول منه يدعو الى وقف العنف، “لكن هذا العنف تحول ارهاباً” كما قالوا، بينما هو عملياً عنف النظام، الذي يبالغ في الارهاب حتى استخدام السلاح الكيميائي واستولد الارهاب واستجلب الارهابيين والتكفيريين من الخارج، على دوي المذابح، وها هو الآن يشتري النفط من “داعش” ويمتنع عن قصفها!
الابرهيمي لم يرد على التحريف الذي يحصر العنف بالمعارضة رغم ان العنف بدأه النظام، ورغم ان البند الاول من النقاط الست الذي اسس لبيان جنيف، دعا صراحة الى “وضع حلول سياسية داخلية تأخذ في الاعتبار تطلعات الشعب السوري ومخاوفه”… والحديث عن جليد يذوب في انتظار اكتشاف المدخل المقبول الى بيان جنيف، يعني ان انهر الدماء ستبقى هادرة!