نعيش هذه الأيام الذكرى الثالثة لأحداث 25 يناير في مصر, حين قامت الحراكات الجماهيرية المصرية الواسعة ضد الظلم والطغيان والاضطهاد, والتي جرى استكمال خطواتها في الثلاثين من يونيو 2013 وفي الثالث من يوليو الذي تلاه, حين عادت الأوضاع في البلد الأكبر عربيا الى مسارها السليم والصحيح بكل ما يعنيه ذلك من عودة الى قاعدتها القومية بعيدا عن الألحاق. نعم, ان قوى ظلامية كثيرة وعلى الاخص التكفيرية منها تحاول اعادة مصر عشرات السنين الى الوراء. تريد اعادة انتاج تجربتها في العراق وسوريا ولكن بثوب مصري هذه المرة. في سبيل هذا الهدف تريد حرف التجربة المصرية عن مسارها الصحيح، ولذلك تقوم بتفجيراتها الإرهابية في القاهرة وبعض المدن المصرية الأخرى, وارهابها مستمر في سيناء. وسط كل ذلك يأتي التأييد الكبير الذي ناله الاستفتاء على الدستور المصري والبالغ 98% وفقما أعلن رئيس اللجنة العليا للانتخابات القاضي نبيل صليب في مؤتمر صحفي, هو رسالة تأييد قوية للتغييرات المهمة والكبيرة التي قام بها الجيش العربي المصري في الثالث من يوليو الماضي. والتي تم فيها خلع مندوب الإخوان المسلمين في قصر الاتحادية, وإعلان خريطة طريق مستقبلية لترتيب الأوضاع في مصر. ذلك لم يكن عفوياً وبمبادرة ذاتية من الجيش, وإنما استجابة لثورة عارمة قام بها الشعب المصري في الثلاثين من يونيو، إذ خرجت جماهير غفيرة بلغ تعدادها وفقاً للإحصائيات ثلاثين مليوناً, وقامت برفع شعار:” إسقاط حكم الإخوان وتنحي مرسي عن منصب الرئاسة”، بعد ما يقارب العام من حكمه وحزبه (الحرية والعدالة) والذي تميز بهدفٍ واحد ووحيد لحكم الحزب, ألا وهو تثبيت الإخوان في حكم مصر, في ظل تراجع اقتصادي واجتماعي وسياسي لها محلياً وعربياً, إقليمياً ودولياً فهاجس الحكم هو الأبرز بالنسبة لحزب الحرية والعدالة، الذي سعى لتبعية البلد العربي الأكبر إلى النظام العالمي للإخوان المسلمين.
ومثلما ذكر رئيس اللجنة العليا للانتخابات أنه” لو لا تزامن يومي الاستفتاء مع امتحان شباب الجامعة لزادت نسبة المشاركة والبالغة ما يقارب 39% في الاستفتاء”. الأخير رغم ذلك يظل أعلى من نسبة المشاركة في الاستفتاء على دستور الإخوان والذي أجري في عام 2012 وبلغت نسبة المشاركة فيه 33% من المصريين. إن دلالات نتائج استفتاء الدستور المصري تتمثل في نقاط عديدة أبرزها:
أولا : التفويض الكبير الذي منحه الشعب المصري للجيش أولاً ووزير الدفاع عبدالفتاح السيسي ثانياً, والذي أعلن قبل يومين من الاقتراع أنه سيترشح للرئاسة إذا ما طلب الشعب منه ذلك، ودعا في الوقت ذاته إلى مشاركة كثيفة في الاستفتاء, وقد لمّح مسؤول مقرب من السيسي إلى أن نسبة المشاركة ستكون مؤشراً لترشحه مع اقتراب الاستحقاق الرئاسي. الاستفتاء على الدستور هو الخطوة الأولى في خارطة الطريق. أما الخطوة التالية فهي الانتخابات الرئاسية والتشريعية خلال فترة 6 شهور من إقرار الدستور, وهذا وفقاً للدستور الذي جرى الاستفتاء عليه. بالمعنى الفعلي هذه المرحلة في مصر هي مرحلة انتقالية نحو تثبيت الأوضاع فيها بشكل عملي وديمقراطي سليم.
ثانيا : نتائج الاستفتاء تدحض أطروحات الإخوان المسلمين من أنهم يشكلون الأغلبية في المجتمع المصري, فهذا الكم من التأييد للدستور الجديد هو رسالة من الشعب المصري للإخوان مفادها ” لا نريدكم”. لقد حاول الإخوان بشتى الوسائل والسبل, عرقلة الاستفتاء سواء من حيث الدعوة إلى مقاطعته أو من خلال الهجمات الإرهابية على مراكز الشرطة والجيش ومراكز الاستفتاء ذاتها في كل الأنحاء المصرية، الأمر الذي أدى إلى سقوط العديد من القتلى ومئات الجرحى.
ثالثا : لقد أثبتت نتائج الاستفتاء الأخير أنه في المرحلة الثانية من الانتخابات الرئاسية ( التي بقي فيها في النهاية مرسي وأحمد شفيق) لم يفز الأول بجهود حزبه الإخواني فقط, وأنما أيضاً بأصوات كافة الأحزاب الوطنية والأخرى القومية واليسارية, التي شاركت في الاستفتاء الذي فاز فيه مرسي بنسبة تقارب 51%, والتي صوتت له في مقابل من يسمى بمرشح الفلول أحمد شفيق, وأنه لولا دعم تلك الأحزاب والقوى لما نجح مرسي. الإخوان بعد نجاح ممثلهم في الانتخابات تنكروا لكل وعودهم السابقة لهذه الأحزاب والقوى، ان في عدم السيطرة على غالبية مقاعد مجلس الشعب أو في تشكيل لجنة رئاسية من كافة القوى, وغيرها من الوعود التي تبخرت، بل العكس من ذلك عملوا على أخونة كافة المناصب الرسمية في مصر بما في ذلك شيخ الأزهر الذي نال هجوماً قاسياً شنّه الإخوان عليه.
رابعا : نتائج الاستفتاء هي عودة لوجه مصر العربي الذي حاول الإخوان في عام حكمهم الأسود تغييبه تماماً, لصالح التنظيم العالمي للإخوان المسلمين، رغم إدراكهم أن مصر هي البلد العربي الأكبر والأقوى, وأنها ومنذ حكم الرئيس الخالد عبد الناصر لا يمكنها التخلي عن هذا الدور ولا عن دورها الإفريقي والإقليمي أيضاً. خلال حكمي السادات ومبارك خفت هذا الدور, وبخاصة بعد توقيع اتفاقية كمب ديفيد المشؤومة التي عزلت مصر عن العالم العربي وعن الصراع الأبرز في المنطقة وهو الصراع الفلسطيني العربي – الصهيوني.
خامسا: ان الاستفتاء هو دليل أكيد على أن المصريين يريدون تكرار التجربة الناصرية فالسيسي التي ترفع الجماهير المصرية صوره اضافة الى صور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر, هو تلميذ تربى في المدرسة الناصرية.
إننا نثق تماماً بأن مصر وبخطىً ثابتة تسير نحو استكمال الانتقال الديمقراطي بعد تعيين موعدي كل من الانتخابات الرئاسية والتشريعية, وأن الفشل سيكون من نصيب القوى التكفيرية الظلامية.