عروبة الإخباري – في تطور سياسي واقتصادي بالغ الأهمية التقى في موسكو أمس الرئيس الفلسطيني محمود عباس مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ورئيس حكومته ديمتري ميدفيديف، تمهيداً للتوقيع رسمياً على اتفاق للاستثمار في تطوير حقل الغاز الفلسطيني في البحر المتوسط قبالة غزة. ومن المنطقي الافتراض أن خطوة كهذه تثير غضب إسرائيل التي لا يروقها الدور الروسي في هذه المنطقة، خصوصاً إذا لم يسبق ذلك توافق معها.
وقد نشرت وكالة الأنباء الفرنسية أن الحديث يدور حول استثمار بمبلغ مليار دولار لتطوير حقل الغاز الفلسطيني. ومعروف أن المكتشف حتى الآن قبالة شاطئ غزة في البحر المتوسط حقلان يسمى الأول “غزة مارين 1” والثاني “غزة مارين 2”. وكانت شركة “بريتش غاز”، قد نالت في العام 1999 من السلطة الفلسطينية، امتيازاً للتنقيب عن الغاز قبالة غزة. وأفلحت في العام 2000 في الإعلان عن اكتشافها الغاز وسعيها لتطوير الحقل بالشراكة مع “شركة المقاولين المتحدين” (CCC) والسلطة الفلسطينية. غير أن نشوب الانتفاضة الفلسطينية الثانية وتولي أرييل شارون بعدها رئاسة الحكومة الإسرائيلية ورفضه تمويل السلطة الفلسطينية من عائدات الغاز حال دون إيجاد أسواق لإنتاج هذا الحقل، وبالتالي حال دون تطويره. وحينها سعت الحكومة الإسرائيلية إلى شراء الغاز من مصر لتفادي شراء الغاز من الحقل الفلسطيني.
ومنذ ذلك الحين وحتى وقت قريب، جرت محاولات من جانب شركة “بريتش غاز”، والحكومتين البريطانية والأميركية ومبعوث الرباعية الدولية السابق في فلسطين طوني بلير لإيجاد حلول لحقل الغاز هذا، ولكن من دون جدوى. وعندما حدث الانقسام في العام 2007 بين حركتي فتح وحماس، وصار التعامل مع حكومة غزة محظوراً، ولم تعد سلطة رام الله قادرة، ازداد الإحباط في شركة “بريتش غاز”، وصولاً إلى وقف اتصالاتها لبيع الغاز وقامت بإغلاق مكاتبها في إسرائيل بعد عام.
ولكن صحيفة “فايننشال تايمز” ذكرت قبل ثلاثة أشهر أن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو منح موافقته لتطوير الحقل. وأشارت أنه أعطى الضوء الأخضر لتطوير الغاز على أمل أن يسهم في خلق مصالح اقتصادية متبادلة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. وفي حينه ذكرت مصادر إسرائيلية أن نتنياهو ربما بات يعتقد أن حقل “غزة مارين” يشكل مصدراً للغاز الطبيعي يعوّض عن خسارة الغاز المصري ويساعد في تلافي أزمة قد تقع قبل أن يبدأ حقل “لفيتان” إنتاج الغاز في العام 2017 على أقرب تقدير. كما أن بعض الخبراء الاقتصاديين رأوا أن تطور موقف نتنياهو يعود إلى رغبته في عدم وضع الاقتصاد الإسرائيلي تحت رحمة شراكتي “تمار” و”لفيتان”، خصوصاً القوة المحركة فيهما، “نوبل إنرجي” الأميركية و”ديلك” الإسرائيلية.
وأشارت وكالة الأنباء الروسية الرسمية “إيتار تاس” أن عملاق الطاقة الروسي شركة “غازبروم”، تأمل في انتاج 30 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ضمن عملية استثمارها للحقل، وأن شركة الهندسة الروسية “تكنوفرموكسبورات” تدرس جدوى الاستثمار الموازي في عملية التنقيب عن النفط في حقل بري صغير يقع قرب مدينة رام الله. ولكن وكالة الأنباء الفرنسية أوضحت أنه ليس معروفاً حتى الآن مدى تقدم الاتصالات بشأن الصفقتين ومتى سيبدأ العمل فيهما.
وتجدر الإشارة إلى أن التقديرات الاقتصادية تحدثت عن احتواء حقل “غزة مارين” على 30 مليار متر مكعب من الغاز، وأن تطويره يحتاج إلى ثلاث أو اربع سنوات وإلى حوالي مليار دولار. ولكن عائدات هذا الحقل تقدر بستة إلى سبعة مليارات دولار سنوياً على مدى سنوات عدة يعود جزء منها إلى السلطة الفلسطينية على شكل ضرائب ورسوم، مما يخرج هذه السلطة عن نطاق الاعتماد على الدول المانحة.
لقد أعلن الرئيس عباس في موسكو أنه يتعامل مع روسيا بوصفها “قوة عظمى كبيرة” ينبغي لها أن تقوم بدور أكبر في الشرق الأوسط. وأضاف “ونحن راضون عن أن روسيا لاعب فاعل ومؤثر في الحلبة الدولية”. وبحسب وكالة الأنباء الروسية فإن عباس قال “إننا نؤيد قيام روسيا بدور مركزي أكبر في الشرق الأوسط لأنها قوة عظمى كبيرة”.