لا تزال “السلطة الفلسطينية” تفاوض حكومة إسرائيل بدعوة وإشراف أميركيين. لكنها لم تصل حتى الآن إلى ما يقنعها بإمكان التوصل إلى اتفاق يؤسس لقيام دولة فلسطينية على اراضي 1967 عاصمتها القدس الشرقية. ذلك أن المسؤولين الإسرائيليين انخرطوا في المفاوضات من جديد، بعد تدخُّل أميركا بواسطة وزير خارجيتها جون كيري الذي يبدو مصراً، رغم انشغاله الواسع بالأزمة – الحرب السورية ومؤتمر جنيف 2، على بذل الجهد لحل قضية مُزمنة أثَّرت سلباً على النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط. لكن انخراط إسرائيل لم يكن بهدف التوصل إلى حل بل كسب الوقت لبناء المستوطنات وتلافي تحمُّل مسؤولية استمرار الصراع مع الفلسطينيين أمام العالم. أما الفصائل الفلسطينية المعارضة لـ”السلطة الوطنية” الحاكمة شكلاً في الضفة الغربية، وفي مقدمها “حركة حماس”، فإنها لا تقل يأساً عن السلطة ورئيسها محمود عباس من المفاوضات الجديدة. فاستناداً إلى معلوماتها عقد الوفدان الفلسطيني والإسرائيلي حتى الأسبوع الماضي ستة عشر اجتماعاً حضرها وشارك في مناقشاتها أميركيون. وكان الهدف من مشاركتهم إظهار صدق رغبة إدارة بلادهم في التوصل إلى اتفاق نهائي ينقذ “حل الدولتين”. لكن كل ذلك لم يحقق أي نتيجة عملياً. وعلى العكس فقد أدى التصلُّب الإسرائيلي إلى تقليص الطموح الأميركي الذي عبّر عنه كيري في بداية المفاوضات قبل نحو ستة أشهر. ذلك أن هدفه كان توصُّل الطرفين إلى اتفاق نهائي للنزاع وإلى برنامج تنفيذي لتطبيقه. لكنه صار، بعد عجزه عن إقناع حكومة إسرائيل ورئيسها نتنياهو بذلك، الاتفاق على “إتفاق – إطار” يمكن الانطلاق منه لاحقاً لمتابعة السعي لتطبيق “حل الدولتين”. ويبدو استناداً إلى الفصائل الفلسطينية المعارضة لعباس وسلطته نفسها، كما إلى الفصائل المؤيدة له داخل منظمة التحرير، أن شروط إسرائيل التي لم ترفضها أميركا ولم تفعل شيئاً لإزالتها هي التي ستوصل المفاوضات إلى الفشل في شهر نيسان المقبل موعد انتهاء جولات التفاوض التي أطلقها كيري. فالقدس الشرقية التي يعتبرها الفلسطينيون عاصمة دولتهم لا ذكر لها في مشروع الإتفاق – الإطار ولا لأي جزء منها. ومنطقة الأغوار الفلسطينية في الضفة الغربية ستبقى محتلة عسكرياً في صورة عملية لإصرار نتنياهو على إبقاء جيشه فيها، ولرفضه ان تحل مكانها قوات أميركية أو غربية حليفة لبلاده. وقمم الجبال أو التلال الفلسطينية تتمسك إسرائيل بالبقاء فيها. ولا كلام عن عودة اللاجئين الفلسطينيين. وهذا غيض من فيض. ويدفع ذلك ناشطاً إسرائيلياً صار متقدماً في السن هو يوري افنيري إلى تشبيه كيري بيارنغ الموفد الدولي الذي كلّفه مجلس الأمن عام 1970 التوسط بين مصر وإسرائيل بعد حربهما عام 1967. إذ فشل في دفعهما إلى الإتفاق رغم أن مصر، وكانت برئاسة (الراحل) أنور السادات، اقترحت استعادة كل أراضيها المحتلة في مقابل السلام. لكن إسرائيل غولدا مائير رفضت بغطرسة. وأدى رفضها إلى حرب 1973، وإلى خروجها ذليلة من السلطة، وإلى موافقة غريمها مناحيم بيغن بعد وصوله إلى السلطة على اقتراح السادات. فهل يكون مصير كيري أو نتنياهو فلسطينياً – إسرائيلياً كمصير غولدا مائير؟
لا أحد يعرف. لكن ما يعرفه أميركيون مهمّون كثيرون أن كيري وحده لن ينجح في دفع فريقي النزاع إلى حل. وأن رئيسه باراك أوباما هو الذي يجب أن يفعل ذلك بتدخُّل مباشر يملي فيه الحل عليهما معا. لكن هل يقدم على ذلك؟
والجواب، كما يقدمه متابع أميركي جدي للسياسة الفلسطينية – الإسرائيلية لاوباما، يشير إلى أن التوصل إلى تسوية أو اتفاق – إطار فلسطيني إسرائيلي يحتاج إلى وقت أطول من المحدَّد حالياً. ويشير أيضاً إلى أن أوباما قد يتحرَّر من كثير من القيود التي تكبِّله حالياً بعد الانتخابات التشريعية في شهر تشرين الثاني المقبل، ويصبح تالياً أكثر قدرة على التحرُّك فلسطينياً وإسرائيلياً. أما الآن فان إيران هي القضية الأولى التي تشغله. وإذا توصَّل إلى اتفاق معها أو حققه فإن مفاتيح “أقفالٍ” شرق أوسطية عدة قد تصبح متوافرة له. ولذلك يرى المتابعون أنفسهم أن على الفلسطينيين عدم وقف المفاوضات قبل نهاية السنة الجارية، وأن لا يسمحوا لإسرائيل باستفزازهم واستدراجهم إلى مواقف مؤذية لهم. وعليهم أن يعرفوا أن كيري يعرف أن لا تسوية من دون القدس.
سركيس نعوم /كيري يعرف أن لا تسوية من دون القدس!
16
المقالة السابقة