في لقاء كان لي الأسبوع الماضي مع مرشح الكونجرس ، تذكرت قوة الأساطير التي تحدد الرؤية التقليدية حول النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والتحدي الذي تشكله للخطاب العقلاني.
وفي تعاقب سريع ادلى الزائر بعدد من البيانات تكشف مدى عدم معرفته شيئا عن الصراع وكيفية صمود أولئك الذين يسعون إلى سلام عادل حقيقي.
لقد كانت وجهات نظر ضيفي حول الصراع مشوهة ولا تتزعزع. ببساطة هي تعكس أيضا مواقف الكثير من المشرعين في واشنطن.
لقد قال إنه مقتنع، على سبيل المثال، أن ” عرفات رفض العرض الأفضل من أي وقت مضى، واتجهوا الى العنف “، وأضاف ان ” الفلسطينيين لن يقبلوا أن يعيشوا في سلام مع إسرائيل”، وأن ” الرئيس عباس غير قادر على تسويق أي اتفاق سلام لشعبه”.
وعلى الرغم من ثباته على هذه الآراء السلبية، أصر زائري أنه كان من ” دعاة السلام ” ، وأعرب عن أمله في أن تؤتي جهود وزير الخارجية الاميركية جون كيري ثمارها ، مما يساعد على وضع حد للصراع.
وبقدر ما يبدو هذا الانفصال عن الواقع غير منطقي ومشوشاً، إلا أنه يمثل لكثير من المرشحين في الكونجرس سبيلاً سهلاً للهروب، إذ يعطيهم موقفاً لا يتعين عليهم فيه تحدي الكوادر المتعصبة بين الناخبين المؤيدين لإسرائيل، بينما لا يزالون في الوقت ذاته يختلقون دعاوى دعم السلام.
وتجادلت لبعض الوقت مع زائري، وأنا أدرك تمام الإدراك أنني لن أحدث تغييراً في رأيه قيد أنملة، وبعد أن قررت أننا قد تجادلنا بما يكفي، عزمت على الكتابة بشأن هذا اللقاء المحبط .
ملاحظتي الأولى هي أن الأساطير التي ترسخت لدى زائري إزاء الصراع تبدو منافية للتاريخ، وخير مثال على ذلك هو المفهوم الذي يقتنع به بحماس شديد ومؤداه أن «عرفات ضيع أفضل عرض من أجل السلام على الإطلاق ولجأ إلى العنف».
لقد كان أول من قال ذلك هو الرئيس الأسبق بيل كلينتون في عام 2000، وعلى رغم أن هذا التصريح لقي ترحيباً كبيراً حينها، إلا أنه كان خاطئاً تماماً، وقد فند روب مايلي مسؤول مجلس الأمن القومي في عهد كلينتون، الذي حضر أيضاً مفاوضات كامب ديفيد، أسطورة أفضل عرض سلام على الإطلاق، في نقاشه الذكي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك في مطبوعة «نيويورك رفيو أوف بوكس» في التاسع من أغسطس 2001.
وفند أيضاً تقرير ميتشل، الذي أمر به كلينتون وتم تقديمه إلى بوش في عام 2001، شطر «اللجوء للعنف» في هذه الأسطورة.
ان الواقع هو أكثر تعقيدا بكثير مما توضحه الأسطورة. لقد كان عرض إيهود باراك في كامب ديفيد غير واضح أبداً، فهو لم يلتزم به كتابة، وعلى رغم الوصول إلى طريق مسدود في تلك الجولة، فقد واصل الفريقان الفلسطيني والإسرائيلي خوض مفاوضات مطولة في طابا، وأوشكا على التوصل إلى اتفاق.
ولكن مع اقتراب الانتخابات، علق باراك محادثات طابا. وقال انه خسر الانتخابات والتي كانت نهاية المفاوضات. ان عرفات لم يرفض “الصفقة ” لأنه ببساطة تم إحباط المفاوضات قبل أن يتمكنوا من إبرام مع “الصفقة”.
ان عرفات لم يبدأ العنف ردا على كامب ديفيد. بل لقد كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة الثانية هي مظاهرة شارون الاستفزازية في حرم القدس الشريف.
وبعد أن قتل الحرس الإسرائيلي المتظاهرين الفلسطينيين، انتفض الشارع الفلسطيني في آن واحد، بسبب مشاعر الإحباط التي لم يعد يمكن السيطرة عليها نتيجة ممارسات الاحتلال وإخفاق عملية السلام في تقديم التغيير المنشود.
ان هذه الأساطير هي عنصرية بشكل مقلق ذلك لأنها تنظر إلى أن الفلسطينيين على انهم بحكم طبيعتهم، هم قوم غاضبون ويميلون إلى العنف وعدم الوفاء بالعهد.
ان انتشار هذه الأسطورة هو، في حد ذاته، واحدة من العقبات الرئيسية في طريق السلام.
والواقع أن الفلسطينيين شعب مسالم تحمل الترحيل وانتزاع ملكيته وعقوداً من الاحتلال الوحشي، وبالطبع هم حانقون وغاضبون، ولكن ليس بطبيعتهم وإنما بسبب واقع ظروفهم.
والإيحاء أن العنف والغضب من الطبيعة الفلسطينية، يعفي الإسرائيليين من أي مسؤولية ويعني أنه بغض النظر عما قد يحدث فإن الفلسطينيين سوف يكونون دائما مصدر تهديد.
ان اساطير زائري هي أيضا ليست سياسية، لأنه يشير إلى أن الصراع أزلي وليس شأناً سياسيًّا يمكن أن يحل، والمشكلة في الطريقة التي تم تأطير الصراع الإسرائيلي الفلسطيني بها في الغرب هي أنه ينظر للإسرائيليين على أنهم بشر «كاملون» لديهم آمال وحقوق وحاجة للأمن، في الوقت الذي يعتبر فيه الفلسطينيون مشكلة تتم إدارتها والتعامل معها كي يتمكن الإسرائيليون من العيش في سلام.
لا شك انه بالاعتراف بالحقوق الفلسطينية، سوف يمكن إيجاد حلول عادلة لقضايا مثل حقوق الملكية والسيادة وتقرير المصير.
وطالما تعيق هذه الحقوق المخاوف الإسرائيلية، فإن المخاوف الفلسطينية سيتم تجاهلها أو النظر إليها في الغرب نظرة قاصرة.
وطالما تقدم الحلول المقترحة تلبية لاحتياجات الإسرائيليين فقط، فسوف يرفضها الفلسطينيون وأي زعيم فلسطيني يحترم نفسه سوف لا يكون قادراً على تسويق الفتات لجماهيره.
وفي النهاية، تعتبر هذه الأساطير بمثابة تبرير وهزيمة ذاتية، فإذا كنا نقول إننا نريد السلام، لكننا نعامل الفلسطينيين على أنهم يستحقون حقوقاً أقل من الشعب الآخر، ومن ثم، نقدم لهم مقترحات مذلة، فلا شك في أنها ستقابل بالرفض. ويمكن حينئذ أن يلتمس المؤمنون بالأساطير لأنفسهم تبريراً بأن الفلسطينيين لا يريدون السلام حقاً وأن الصراع سيتواصل.
ولهذا السبب، فإن الإصرار على هذه الآراء بشأن الفلسطينيين، مع استمرار زعم دعم السلام وحل الدولتين، يعتبر أيضاً هزيمة ذاتية.
ان التحدي الحقيقي لصانعي السلام هو التفكير في الرؤية التي قدمها الرئيس أوباما في القاهرة والقدس والتي ترتكز على الاعتراف بحقوق كل الشعوب بشكل متساو، والتوصل إلى حلول على أساس هذا الواقع وليس على الخرافات.
د.عبدالله باحجاج/الأساطير التي تمثل عقبة في طريق السلام
12