صدق أو لا تصدق: قال مسؤولون أمنيون ودبلوماسيون مصريون إن مصر تخطط لدعم ثورة شعبية في قطاع غزة للتخلص من حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بدعوى أنها تصدر الإرهاب إلى شبه جزيرة سيناء وبقية ربوع مصر. وسيتم ذلك بالتعاون مع حركة فتح ومن خلال دعم النشطاء المناهضين لحماس في غزة. وثمة اتصالات جارية في الوقت الراهن مع المسؤولين في حركة فتح لمناقشة كيفية مساعدتهم في تفويض النظام القائم في القطاع. وقد عقد في القاهرة خلال شهر يناير الحالي اجتماع تنسيقي لهذا الغرض مع عناصر من حركة «تمرد» التي نشأت بالقطاع حضره نظراء لهم في مصر وبعض المسؤولين. ووفقا لمسؤول مصري فإن عملاء المخابرات المصرية وبمساعدة نشطاء وخصوم حماس يخططون لإفشال محاولتها تقديم الطعام والشراب، الأمر الذي من شأنه أن يؤدي إلى تمرد الأهالي وثورتهم. وفي الوقت ذاته تخطط القاهرة لدعم مظاهرات الجماهير في غزة ماليا ولوجستيا لشل حركة حماس. وبحسب مسؤول أمني فإن مصر لن تتحرر من إرهاب الإخوان المسلمين بدون إنهائه في غزة، وحين سئل مصدر مخابراتي لماذا لا تبدأ مصر الآن في القضاء على حماس فإنه أجاب قائلا: يومهم قادم. وفي التعليق على ما قاله السيد إسماعيل هنية رئيس وزراء القطاع بأن الحركة تركز على مواجهة إسرائيل وليس لها دور أو وجود مسلح في مصر، ذكر مسؤول أمني مصري أننا لا نحدد موقفنا على ضوء كلام قيادات حماس، ولكننا نقدره في ضوء معلوماتنا المخابراتية.
هذا الكلام المذهل والموجع خلاصة لتقرير بثته وكالة رويترز للأنباء، وأبرزته صحيفة «الشروق» يوم الأربعاء الماضي 15/1 ــ الذي تصادف اليوم الثاني للاستفتاء على الدستور الجديد، ونشرته تحت عنوان على ثمانية أعمدة باللون الأحمر يقول: مسؤولون لرويترز: مصر تخطط لإسقاط حماس.
رغم علمي بأن الوكالة العريقة تدقق في أخبارها، إلا أنني رفضت تصديق محتوى التقرير. ذلك أنه ما خطر ببالي يوما ما أن أقرأ في صحيفة مصرية ــ ليست إسرائيلية ــ نصا من ذلك القبيل، يتضمن إعلانا شبه رسمي للحرب ضد حركة المقاومة في غزة، وهي التي تدير القطاع منذ أكثر من ست سنوات، تعرضت خلالها لغارات واجتياحات الإسرائيليين الذين يعتبر قادتهم أن المقاومة الإسلامية هي عدوها الأول. وفي تلك المواجهات فإن حماس لم تصمد فقط وإنما لقنت الإسرائيليين درسا نادرا في الثبات والتحدي، يفخر به كل فلسطيني وعربي حر.
كان التقرير المشؤوم قد صدر يوم الثلاثاء، وخلال الأيام الثلاثة اللاحقة صرت أفتش في الصحف المصرية باحثا عن نفي أو حتى تصويب له، فلم أجده، وما ظننته كابوسا وحاولت أن أقنع نفسي بأنه مؤامرة خبيثة، تبين أنه حقيقة فاجعة.
أدري أن وسائل الإعلام المصرية لم تقصر في تعبئة الناس ضد حماس وتعبئتهم بمشاعر البغض لها وللمقاومة وللفلسطينيين أجمعين في بعض الأحيان. مع ذلك فقد ظللت طول الوقت احتفظ أو أتوهم مسافة بين الموقف الرسمي وبين الأبواق الإعلامية ودعاياتها التي قد تقف وراءها أطراف مشبوهة تراهن على تلويث صفحة المقاومة وتصفية القضية. لكن التقرير المنشور بدد ذلك الوهم، وأقنعني بأن ثمة تلاقيا بين في الموقف الأساسي على الأقل بين الخطابين الرسمي والإعلامي.
يتضاعف الشعور بالحزن والخزي عندي حين لا أجد فارقا جوهريا بين عنوان: مصر تخطط لإسقاط حماس، وبين الأمنية التي عبر عنها يوما ما إسحاق رابين رئيس وزراء إسرائيل الأسبق، حين قال إنه يتمنى أن يستيقظ ذات صباحا فيجد أن قطاع غزة اختفى من الوجود. ولأنه كان يتحدث عن غزة المقاومة والصامدة، فإنني وجدت أن ثمة تطابقا بين الموقف الداعي إلى إسقاط حماس المقاومة أو اختفاء غزة المقاومة.
إن ما يقال عن تهديد حماس لأمن مصر هو إدعاء تحدثت به التقارير الأمنية والحملات الإعلامية، ولم يؤيده تحقيق نزيه ومحايد. وأعيد التذكير في هذا الصدد بأن تقريري تقصي حقائق فترة الثورة ومرحلة المجلس العسكري (عامي 2011 و2012) لم يشيرا من قريب أو بعيد إلى دور حماس في أحداث أي منهما، وأن الزج باسم الحركة في تلك الأحداث أضافته المؤسسة الأمنية لكي تبرئ نفسها من الاتهامات والإشارات الصريحة إلى دورها في الجرائم التي وقعت حينذاك، ولا يزال مطلب التحقيق المحايد فيما جرى واردا، وليته يتم تحت إشراف الجامعة العربية أو أي جهة حقوقية أخرى ذات صلة، إقليمية كانت أم دولية.
إن إعلان الحرب التي تستهدف إسقاط حماس في يوم الاستفتاء على الدستور الجديد نذير شؤم يمثل إساءة بالغة للنظام الجديد تجعلنا لا نستبشر خيرا بموقفه إزاء القضية الفلسطينية. ذلك أنه ما عاد خافيا على أحد أن المقاومة المراد إسقاطها هي الأمل الوحيد المعول عليه في الحفاظ على القضية من التصفية والاندثار بل والحفاظ على ما تبقى للأمة العربية من عزة وكبرياء، ناهيك عن أن تقرير «رويترز» يثير السؤال التالي: إذا ما تحقق هدف إسقاط حماس، ماذا سيكون موقف مصر «الثورة» من المقاومة الفلسطينية، وهل ستصف في النهاية مع معسكر التنسيق الأمني مع إسرائيل؟
من سخريات الأقدار ومفارقاتها أن ينشر الإعلان المخجل في ذكرى ميلاد جمال عبدالناصر (15 يناير 1918). وتبلغ السخرية ذروتها حين نجد بعض المهللين يحاولون إيهامنا بأننا بصدد استعادة زمن الرجل ومشروعه. غير مدركين أنهم بذلك أهانوا اسم عبدالناصر الذي قاتل في فلسطين وحمل قضيتها، في حين أنهم يصفقون للمشروع المضاد الساعي إلى إسقاط المقاومة الفلسطينية، الذي لا يخفى على أحد من المستفيد الأول منه.
وأنا أكتب هذا الكلام ظلت ترن في أذني طول الوقت كلمات الشاعر العراقي أحمد الصافي النجفي التي قال فيها:
إنا لفي زمن لفرط شذوذه ــ من لا يجن به فليس بعاقل!