تناول الكاتب البريطاني روبرت فيسك في مقاله بصحيفة “الإندبندنت” البريطانية مأساة الفلسطينيين في المخيمات السورية، واصفًا “اليرموك” في العاصمة دمشق بأنه مخيم بلا أمل لأناس بلا وطن.
ويستهل فيسك مقاله- الذي نشرته الصحيفة على موقعها الإلكتروني- بالقول: لم يكن زمن طويل قد انقضى على بدء اشتعال الحرب الأهلية في سوريا عندما شاهدت مع أصدقاء سوريين ونحن وقوف على مرتفعات جبل قاسيون المطل من الشمال على العاصمة دمشق انفجار أولى القذائف في مخيم اليرموك الفلسطيني.. حيث كانت قذائف المدفعية من خلفنا تترى متوانية- بحيث تفصل قرابة الخمس دقائق بين موجة القصف والأخرى لتنعقد على مسافة سحابة ضئيلة من الدخان.
ويضيف الكاتب “وارحمتاه للفلسطينيين.. إنهم لاجئون أبدًا، من فلسطين 47-1948، من الأردن 1970، من لبنان 1982، من الكويت 1991، والآن من سوريا.. لقد تعرضوا للطرد من أرضهم بفلسطين تحت الانتداب، وللحرب من جيش الملك حسين في الأردن، وقد انحازوا إلى جانب المسلمين في لبنان وإلى جانب صدام حسين بعد اجتياح الكويت، وهاهي ذي أذرع الانقسامات السياسية في سوريا تطحن الفلسطينيين من جديد في البلد الذي اعتبر نفسه ذات يوم طليعة الشعب الفلسطيني.
ويتابع فيسك قائلاً: في ظل التعامل باحترام نسبي في سوريا، بحيازة جوازات سفر وامتلاك منازل وتولي وظائف، استفاد الفلسطينيون من الدعم المطلق الذي أيدهم به حزب البعث. ولكن بمجرد تعرض نظام بشار الأسد للاهتزاز، عاد أصحاب العقائد القدامى والخصوم إلى دفع الفلسطينيين إلى اليأس، فـ “حماس” التي طالما حافظت على بقاء مقرها الاعتباري في دمشق بقيادة خالد مشعل، شدت الرحال إلى ملاهي الترف في الدوحة وعارضت النظام السوري، و”فتح” ناسية شتاتها، باتت تأمل في أن يحقق داعموها ما فشل ياسر عرفات في تحقيقه من قبل: وهو النأي بالنفس عن الحرب”.
ويمضي الكاتب البريطاني “لكن حزب البعث السوري لا يغفر للخائنين، فهؤلاء الذين حاولوا اتخاذ موقف الحياد وأولئك الذي ناصبوا أختهم سوريا العداء- سيدفعون الثمن.. لم يتبق بين المخلصين لسوريا إلا الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة (والتي ربما تكون متورطة في قضية لوكربي، فضلاً عن مقتل رفيق الحريري)”.
ويؤكد فيسك انتقال الجيش السوري الحر ومقاتلي جبهة النصرة والإسلاميين المعتدلين إلى مخيم اليرموك باستيلائهم على ضواحي دمشق.
ويرى أن ثمة علامات اليوم تشير إلى أن التدخل الفلسطيني من بيروت ربما لن يسمح لكثير من الفلسطينيين بمغادرة مخيم اليرموك لكن قد مر وقت طويل بات فيه المخيم سكنًا للجوع والأنقاض، فمن أصل 250 ألف فلسطيني يسكنون مخيم اليرموك في سوريا، لم يبق إلا 18 ألفًا فيما مات نحو 500ر1 معظمهم من الجوع. ومن أصل 540 ألف لاجئ فلسطيني مسجل في سوريا، ثمة 270 ألفًا مشردون بلا مأوى داخل البلاد و80 ألفًا فروا منها، ثلثاهم إلى لبنان، ونحو 11 ألفًا هم الآن في الأردن، وخمسة آلاف دخلوا مصر، وعدد قليل في قطاع غزة البائس.
ويشير فيسك إلى أن اليرموك وغيره من المخيمات في سوريا كمخيم “الرمل” شمال حمص قد تم نصبها كغيرها من “بقاع البؤس” الكثيرة في العالم العربي من أجل الفلسطينيين الذين تم طردهم من أراضيهم التي أصبحت الآن تحمل اسم إسرائيل.. ولكن في غمرة المذبحة السورية، من ذا الذي يهتم لأمر الفلسطينيين.
ويرصد الكاتب البريطاني حديث الجمعيات الأهلية الفلسطينية في لبنان بمشاعر عميقة عن تاريخها، وكيف نكأت وفاة آريل شارون مؤخرًا جراح الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي في لبنان وفي مجزرة صبرا وشاتيلا 1982.. يقول أحد أعضاء الجبهة الديمقراطية الفلسطينية اليسارية: “حتى البرجوازيين من الفلسطينيين دخلوا الآن في الدائرة.. تراهم في كل مكان يتظاهرون”.
ويقول فيسك إنه في الضفة الغربية وإسرائيل، أيضًا، والمسيحيون- متشوفين مصير مسيحيي سوريا في أيدي الإسلاميين الثائرين- ليس بين الفلسطينيين من يدين بشار الأسد. ويرى أن السلطة الفلسطينية، التي أرسلت مبعوثها إلى سوريا، لا تهتم كثيرًا بالشتات الفلسطيني، وأن “حق العودة” طالما كان يستخدم ككارت محروق بينما الإسرائيليون يصبغون الضفة الغربية بصبغة مستوطناتهم.
وفي مفارقة ساخرة، بحسب وصفه، فإن واشنطن- التي أعطت الإسرائيليين على مدى عقود ضوءًا أخضر في طريقة التعامل مع الفلسطينيين وبناء المستوطنات على الأراضي المحتلة- باتت الآن تعرب عن قلقها من الوضع المرعب للفلسطينيين في سوريا. ويختتم فيسك مقاله بقول عضو الجبهة الديمقراطية اليسارية “ها نحن الآن نتلقى العقاب من العرب والإسرائيليين معًا.. والآن.. يشعر الأمريكيون إزاءنا بالأسى!”.