يقال على المستويات العليا في ممارسة انواع الحكم، ذاك حكم ديموقراطي، وذاك حكم ديكتاتوري، وممارسة الحكم في النهاية هي منظومة تحكم، وان كان رأسها ديكتاتوريا، فلا بد له ان يبحث عن نفر يعينه، وينفذ له اوامره التسلطية، هؤلاء المنفذون لا ارداة لهم ولا رأي، خشب مسندة، طبول جوفاء، عقول فارغة، لا يملكون من امرهم شيئا، وهذا الامر لا رغبة في الحديث عنه، فقد تكلم عنه الربيع العربي، والثورات العربية والحراكات والمسيرات الشعبية، في دول الضاد وعلى امتداد جفرافيتها، لا بل على امتداد تاريخها ايضا، فالقارئ للتاريخ الممعن به، يرى العجب العجاب .
الكل يعي ويعلم ان للسلطة مغريات، واهم مغرياتها حب التملك لها، والانفراد بالقرار حسب الرغبة والاهواء، والكلام هنا محصور في شخصنة المناصب الوظيفية على مستوى المؤسسات وحسب، والمعروفة اليوم تحت مصطلح البيروقراطية، اذ ان المفهوم الصحيح لمعنى البيروقراطية هي سلطة المكتب، وليس كما هو شائع انه العمل الروتيني البطيء الممل، فالكلمة من مقطعين، بيرو وتعني المكتب، قراطية وتعني القوة او التسلط، وهذا هو الممارس في معظم مؤسسات الدول، والذي يجب التخلص منه، وان ادعينا ادعاء ان هذا المفهوم قد ولى الى غير رجعة، فهذا وهم كبير وكبير جدا، ومن اراد المزيد من معرفة هذا فليراجع دائرة ما .
البيروقراطية اصبحت سلطة هائمة بلا رقيب ولا حسيب، لان الرقيب نفسه اصبح في حيرة من امره، حتى لا يذهب مطلبه عند الحاجة، عند موظف ما، كردة فعل سلبية، اذا هو ادى واجبه، وعلى نظرية كما تدين تدان، عندها يختفي اداء الواجب، ويختفي معه القانون، تبعا لاختفاء من اوكل له نظام الرقابة وتطبيق القانون، فأصبحت بذلك الابواب مشرعة لممارسة الاهواء الشخصية، بعد تملك الوظيفة واستغلال سلطتها، فأصبحت طابو ( كوشان) لمالكها يفعل ما يشاء، فتكونت بذلك الشللية والمحسوبية، وتراكمت فأضحت مرضا عضالا، الشفاء منه لا يأتي الا من ثورة بيضاء، نادى بها ورفع شعارها جلالة الملك عبدالله الثاني المعظم، وينفذها رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، والله يعلم اين هم في هذا الزمان؟! وهذا السؤال موجه للامهات الاردنيات، اللواتي انجبن الشهداء ابطال الساحتين السياسية والعسكرية، السيف والقلم .
هذه البيروقراطية ولّدتْ السلطة المطلقة، والكل يعرف ان المطلقة هذه تمرد على القانون، وهي مفسدة مكتملة الشروط، تمارس ارادتها المطلقة ورغباتها الجامحة، بأهواء من تملك سلطة المكتب، فكان اول اهدافه البحث عن الفساد الاداري والمالي، والفساد الاداري هو الادهى خبثاً ومكرا، وامر طعما ومذاقا من العلقم، فأسألوا عن مرارة هذا على من طبقت عليه السلطة .
ولنفرض جدلا ان البيروقراطية، نفذت بالمفهوم الاكثر شيوعا لها، وهو الروتين الممل والاجراءات المطولة والمعقدة، التي ناتجها التباطؤ والتأخير، فهو ايضا فساد ينخر جسد الامة يجب الخلاص منه، فإن من لا يسابق الزمن عجلته صدئة لا بد ان تجلى، لكن الكارثة اذا كان الصدأ بالعقول .
هذا المرض البيروقراطي، سريع العدوى والانتشار، فهو يغزو في يومنا هذا بعضا من مؤسسات القطاع الخاص، القائم اصلا على الربحية، والاولى به ان يواصل العمل الدؤوب في كل الثواني، فظهر عليه الاستعلاء في التعامل وعدم الاكتراث، بالرغم من اصرارهم على استيفاء اموالهم، حتى لو احتجزت الجثة في الثلاجة، وتناسوا أنّ “إكرام الميت دفنه”، وكم هي الحالات الشاهدة على ذلك .
العلاج الناجع مرة اخرى، هو نداء مليكنا، ثورة بيضاء نقية من الشوائب، والاستغلال من قبل مرضى النفوس، الطامعين في سلطة المكتب وشخصنتها، ونحن نرى امثلة في كل يوم، ان من ترك منصبا اعلن الحزن و الحداد، وانتقل الى صفوف الناقدين، ولا اقول المعارضين، فما الذي بدل اليوم عن الامس، انه حب السلطة ومغرياتها وفسادها، لمن بُذِرَ به حب الفساد، لكن الخير في امة محمد مأمول حتى تقوم الساعة .
حمى الله الاردن وشعبه ومليكه .
عبير الزبن/شــخـصـنــة المـنـاصــب
20
المقالة السابقة