ننتظر على أحر من الجمر كي نطلّع على برنامج الحملة الانتخابية التي سيخوضها بشار الأسد مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية السورية في منتصف هذا العام، فهو يتحدى الداخل والخارج، ويؤكد ترشحه شاء من شاء، وأبى من أبى. لكن غالبية السوريين تريد أن تعرف كيف سيتحرك “سيادة الرئيس” من مخبئه في دمشق للتجوال في أنحاء سوريا، فعلى المرشحين في أي انتخابات حقيقية أن يتجولوا في طول البلاد وعرضها لعرض برامجهم الانتخابية على مختلف قطاعات الشعب.
هل يستطيع الرئيس السوري أن يتحرك من مربعه الأمني في دمشق، ويتجول في العاصمة، ناهيك عن الذهاب إلى ريف دمشق المجاور كداريّا، والمعضمية، ومخيم اليرموك، ودوما وحرستا، والغوطة الشرقية؟ هذه المناطق لا تبعد سوى بضعة كيلومترات عن مركزه. فهل يستطيع زيارتها كي يعرض على سكانها برنامجه الانتخابي “العظيم”؟ هل يستطيع الذهاب إلى درعا في الجنوب؟ هل سيذهب إلى حمص التي دمر أكثر من تسعين بالمائة منها؟ ماذا سيقول لشوارع وأبنية حمص التي سواها جيشه “الباسل” بالأرض؟ هل سيعبر حمص إلى ريف حماة المشتعل؟ هل سيتجاوز حماة إلى ريف ساحله السوري الذي هجره أهله بعد أن حرق معظم غاباته؟ هل سيتابع المسير إلى إدلب وريفها الذي لم يبق منه سوى سبعين قرية من أصل أكثر من ألف قرية سوّاها “حماة الديار” بالأرض؟ هل سيزور مدينة حلب وريفها الذي تلقى مئات البراميل المتفجرة من طائراته “المغوارة”؟ وماذا عن محافظة الرقة التي فقد السيطرة عليها تماماً، وتحولت إلى إمارة؟ ماذا عن دير الزور التي يحتاج لخمس سنين وفرق عسكرية جبارة كي يستعيد السيطرة فقط على ريفها؟ فإذا لا يستطيع بشار الأسد أن يغادر “منطقته الخضراء” في دمشق، فكيف يا ترى سيعرض برنامجه الانتخابي على الشعب السوري؟
يتهكم حسان السوري قائلاً: إذا كان بشار الأسد، وهو محصّن بمنصب رئيس الجمهورية، ومحمي بعشرات الآلاف من الحراس لا يستطيع أن يخرج خارج مخبئه ليقضي حاجته دون إذن مسبق، ولا يستطيع الخروج إلى أي مكان إلا بعد أن يتم قطع ٩٩.٩٩٪ من شوارع البلد قبل تحركه بساعات، وبعد تحركه بساعات خوفاً من انتقام ملايين الناس منه، فكيف سيكون حاله إذا خرج إلى العلن، طبعاً خارج الحشود المؤلفة من أفراد المخابرات والمنحبكجية التي يتم ترتيبها قبل ظهوره بأسابيع لتستقبله عادة؟ أعتقد أن ما حصل للقذافي سيكون استقبال خمس نجوم مقارنة بما سيواجهه بشار الأسد، إذ إنه سيتحول إلى بودرة في أفضل التوقعات”.
ولو افترضنا جدلاً، وهو كحلم إبليس بالجنة طبعاً، أن بشار الأسد استطاع أن يصل إلى “الجماهير المغفور لها”، فماذا سيكون سجلّه الانتخابي الذي سيعرضه عليها؟ ما هي، يا ترى، الإنجازات التي سيذكرها بشار الأسد في برنامجه الانتخابي كي يقنع السوريين بإعادة انتخابه؟
هل سيذكّر الشعب بأنه تسبب بموت حوالي نصف مليون سوري، ناهيك عن الذين مازالوا تحت الأنقاض منذ أكثر من سنتين؟ هل سيتحدث عن تسببه بموت أكثر من 155 ألف عسكري سوري، واعتقال أكثر من 3 ملايين، واختفاء قسري لحوالي نصف مليون معتقلين في أقبية المخابرات؟ هل سيبشّر الشعب بمشروع قرار سحب الجنسية من كل المعارضين لنظامه؟ هل سيقوم بتذكير الشعب بتشريد حوالي عشرة ملايين سوري داخلياً وخارجياً، وبإحداث مجاعات جماعية لأكثر من مليون مواطن سوري؟ هل سيعرّج وهو الطبيب على إعادة مرض شلل الأطفال والحصبة والطاعون إلى ربوع الوطن؟ هل سيتحدث عن حرمان جيل كامل من التعليم والدراسة، وتفكك المجتمع السوري بالكامل؟ هل سيتباهى بتوزيع السوريين في أكثر من ٥٠ دولة في العالم مما يهدد سوريا بأن تصبح دولة بلا شعب لكثرة الهجرة منها وليس إليها؟ هل سيتفاخر مثلاً باستيراد قطعان “المتطوعين” الإيرانيين والعراقيين واللبنانيين والباكستانيين، والاستعانة بالشركات الأمنية الروسية لجلب مقاتلين روس لفرض الأمن والانبساط على كل حبة تراب من الوطن؟
هل سيتطرق إلى إنجازاته على الصعيد المادي، يتساءل مصطفى كعدي في منشور له على فيسبوك؟ هل سيتباهى بتدمير مليون و750 ألف منزل في كافة أنحاء الوطن؟ هل سيتفاخر بتدمير 70% من البنية التحتية، ورفع الأسعار بنسبة 500%، وخفض سعر الليرة للعملات الصعبة بنسبة 300%، وحرمان السوريين من أبسط الخدمات، كالكهرباء والماء والمازوت والبنزين؟ هل سيتحدث عن خسارة أهم الكفاءات ورؤوس الأموال والخبرات السورية؟ هل سيتفاخر بإعلان سوريا دولة منكوبة؟
هل سيحتفل بإنجازاته على المستوى الخارجي؟ هل سيقول إنني ردعت خطر هجوم أمريكي على الوطن بتسليم أمريكا وإسرائيل السلاح الاستراتيجي الكيماوي؟ هل سيذكر في سجله الانتخابي الانتهاك السافر للطيران الإسرائيلي عدة مرات للأجواء السورية دون أن يحرك ساكناً لحفظ ماء وجه السيادة السورية، علماً أن لديه تصريحات سابقة يهدد فيها هذا الطيران بأنه إذا هاجم سوريا، فإنه لن يجد مطارات يهبط فيها في إسرائيل عند عودته؟ هل سيقول إن سوريا صارت محمية إيرانية بامتياز، ولم تعد تمتلك لا السيادة الوطنية، ولا القرار الوطني المستقل؟ هل سيتفاخر برهن ثروات سوريا النفطية والغازية للشركات الروسية كعربون محبة وتقدير للدعم الروسي اللامحدود له في القضاء على وطن اسمه سوريا؟ هل سيتشدق بإغلاق معظم السفارات في سوريا، وطرد السفراء السوريين من معظم دول العالم، وفرض عقوبات على سوريا؟ هل سيتحفنا بالحديث عن الإهانة الكبرى التي تعرض لها منصب رئيس الجمهورية في عهده الميمون على أيدي القاصي والداني، مما جعل ذلك المنصب مدعاة للسخرية بدل أن يكون مدعاة للهيبة والاحترام؟
فإذا كان كل ما تم ذكره، وهو بعض من كل، لا يشكل لك أي شعور بالذنب أو المسؤولية، وأنك تعتبر بقاءك على كرسي الحكم هو الانتصار الوحيد على المؤامرة الكونية، وأن ما ذكرناه مجرد شكليات، فاسمح لي، سيدي الرئيس، أن أقول لك: إنك بحاجة لطبيب عيون يقوم بعملية تصحيح بصر لك ولمن حولك، ربما تدرك بعدها بأنك أوصلت البلاد إلى مأساة يستحيل معها الوصول إلى حل. أليس من حقنا عليك كسوريين أن تقدم لنا كشف حساب تشرح لنا ماهية الانتصار الذي حققته خلال هذه السنوات الثلاث الماضية كي تقنعنا بضرورة ترشحك للانتخابات، وكي لا تبدو كمن يضيف إلى جرحنا النازف ملحاً ثقيلاً؟
أنتظر ردكم سيدي الرئيس لأن لي الحق بمساءلتكم، حسب الدستور، الذي فصله خياطو الدساتير على مقاسكم بمنتهى الإتقان والدقة. كما أن لي الحق، أنا حسان السوري، بأن أعرف إلى أين بلدي ذاهب. ولي الحق أن أعرف بأي عين تفكر سيدي الرئيس بالترشح لمنصب رئيس ما كان يسمى بالجمهورية العربية السورية؟ هذا تساؤل من مواطن سوري مقهور على بلده الذي تدمر بالكامل في عهدك. وأنا كسوري، لا أسالك عمّن دمره، لأنني أعرف ردك بأنها “العصابات المسلحة” و”التكفيريون” و”الإرهابيون”. ولكن يكفيك عاراً وذلاً وخزياً ومهانة بأنه تدمر في عهدك، وفي ظل قيادتك الحكيمة. شكراً سيدي الرئيس ومبروك عليك مقدماً فوزك الكاسح في الانتخابات القادمة، فكلاب صيدك يمتلكون تفويضاً كاملاً من السوريين بانتخابك.