الذين أتيح لهم من أبنائنا الذين درسوا في الخارج الالتقاء بالأمريكيين أو الأوروبيين أو اليابانيين أو الصينيين أو الروس أو غيرهم من رعايا الدول الأجنبية المتقدمّة، يعرفون أنّ عقول هؤلاء لا تختلف عن عقول أبنائنا العرب، وأن قدرتهم على التفكير والإبداع ليست أكبر من قدرة أبنائنا، وأن أفكارهم عند التحاور والمناقشة في أيّ أمر ليست أكثر نضجاً من أفكار أبنائنا، وأنّ تحصيلهم العلمي ليس أفضل من تحصيل أبنائنا، وأنّ ثقافتهم ليست أعمق من ثقافة أبنائنا، بل إنّ بعض أبنائنا قد يتفوقون على أقرانهم من الغربيين والشرقيين فكراً وثقافة وإبداعاً وتعليماً وأداءً في أعمالهم المختلفة.
ومثلما أنّ الأمم الأخرى لا يمتلك أبناؤها عقولاً أكبر من عقولنا، فإنها أيضاً لا تمتلك موارد طبيعية أكثر، ولا أموالاً أكثر، ولا رجالاً ونساءً أكثر، ولا إيماناً بالله أكثر، ولا تمسّكا بالحقوق أكثر، بل ربّما نتفوق عليهم في الإيمان بالله تعالى، وبالتمسك بحقوقنا والمطالبة بها دون كلل أو ملل، ونحن نتفوق عليهم قطعاً بمدى استعدادنا للتضحية وبذل الغالي والنفيس من أجل الدفاع عن حقوقنا ومبادئنا وأوطاننا.
ولكن يبقى السؤال الكبير المحيّر، ما الذي يجعل تلك الأمم تسبقنا في تقدمها الاقتصادي وإنتاجها الصناعي، وابتكاراتها العلمية، وإنجازاتها العسكرية، وتبسط سيطرتها وإرادتها علينا، حتّى أصبحنا ميدان تجارب لهم وسوقاً استهلاكية لمنتجاتهم وسلعهم وأسلحتهم وغير ذلك؟!.
ما يختلف به هؤلاء الأقوام عنّا أن مصالحهم تجمعهم حتى لو اختلفوا ديناً ومذهباً ولغة وتاريخاً وغير ذلك، وأنهم يدركون أن نجاح المصلحة الذاتية لكل فرد منهم مرتبط بنجاح المصلحة العامّة، ولذلك تجدهم شديدي الالتزام بالقوانين وواجبات العمل وكلّ ما يصبّ في خدمة مجتمعهم وأمّتهم.
ومن أسباب نجاح تلك الأقوام قدرتهم على توظيف الموارد وإدارتها بشكل كبير وبالتنسيق التام مع سائر الموارد الأخرى، وهذا ما ينقصنا، حيث أنّ كلّ مورد من مواردنا يدار بشكل منفصل عن الموارد والإمكانيات الأخرى، مّما يجعل الطاقات تضيع هباءً.
وممّا يميّز الأقوام التي تفوّقت علينا، أنها تضع خططاً بعيدة المدى وتوظّف كل سياساتها لتنفيذ تلك الخطط بدقّة وحرفية، أما نحن فنضع خططاً آنية وقصيرة المدى وتكون غالباً ردّات فعل لحالات طارئة أو مستجّدة، ونعمل بمبدأ عصفور في اليد خير من عشرة على الشجرة.
وبالإضافة إلى ذلك فإن خطابنا ووسائل مواجهتنا للتحديات لم تتكيف مع التطورات التي يشهدها العالم ولا مع أشكال التحديات الجديدة التي تتطور باستمرار، بينما يراعي المسؤولون في تلك الأمم تكييف أدواتهم ووسائلهم وأشكال خطابهم مع حتمية التطوّر الذي يشهده العالم باستمرار.
Salahjarrar@hotmail.com
أ.د.صلاح جرار/تســاؤل مــزمـــن
26
المقالة السابقة