حدّد الدكتور خير الدين حسيب الباحث العربي المعروف والمدير العام لـ”مركز دراسات الوحدة العربية” العريق عوامل أربعة يؤدي توفّرها إلى نجاح ثورة أي شعب على النظام في بلاده. الأول، هو انكسار حاجز الخوف عند الشعوب من التحرُّك ضد أنظمتها بسبب القمع الذي تمارسه منذ تأسيسها. والثاني هو مبادرة الشعوب إلى الانتفاض سلماً على أنظمتها. ويعني ذلك أن تبتعد عن العنف في التظاهرات الشعبية والاعتصامات. كما يعني أن لا تُبادل قوات النظام الرسمية وغير الرسمية بعنف مماثل للعنف الذي قد تستعمله لانهاء الانتفاضة. فالـ”التوازن السلامي” سيكون مفقوداً بين الفريقين. فضلاً عن أن عنف الثوار أو المنتفضين قد يعطي المبرر للقوات الرسمية كي تُصعِّد عنفها إذا كانت هي البادئة في استعماله. والثالث، هو وجود شبه إجماع شعبي على مطلب تغيير النظام أو تعديله، وشيء من التجانس أيضاً بين أبناء الشعب. أما العامل الرابع والأخير فهو الموقف الفعلي للجيش أو القوات المسلَّحة بكل فروعها من الانتفاضة الشعبية أو الثورة أو الاحتجاج أو الانتفاضة. فإذا كان مؤيداً لمطالبها يصبح نجاحها حتمياً. وإذا كان موقفه محايداً بينها وبين النظام أو السلطة التي تحكم باسمه فان نجاحها أيضاً يصبح مؤكداً وإن استغرق ذلك وقتاً أطول. أما إذا كان معارضاً لها بل معادياً فإن الأمل في نجاحها يتضاءل كثيراً.
وأعطى الدكتور حسيب أمثلة تدعم رأيه أخذها من ثورات “الربيع العربي” وتحديداً من تونس ومصر واليمن وسوريا. ففي “ثورة الياسمين” التونسية، كما سُمّيت، توفّرت العوامل الأربعة وهي غياب الخوف وسلمية الثورة وإجماع أو بالأحرى شبه إجماع شعبي مع تجانس باعتبار أن شعب تونس مسلم سنّي ومالكي. أما الجيش فوقف على الحياد علماً أنه أساساً غير قوي كما هو في الدول الديكتاتورية عادة. وفي ثورة 25 يناير 2011 المصرية غاب الخوف أيضاً، واستمرت “السلمية” رغم محاولات قمعها وإلحاق الأذى بالمشاركين فيها. وكان هناك شبه إجماع شعبي عليها رغم وجود “مكونين” شعبيين فيها هما المسلمون السنّة وبغالبية ساحقة، والمسيحيون الأقباط. ذلك أن الاثنين كانا داخلها، وفي ثورة اليمن لم يرَ العالم أثراً للخوف الشعبي رغم قمع التظاهرات ولا لـ”العسكرة”. وكان الشعب على انقساماته مجمعاً على التخلّص من الرئيس علي عبدالله صالح ونظامه. أما الجيش فكان بداية مع النظام، ثم انشق قسم منه عنه بعد استمرار الثورة فجعل ذلك إنتصار الثورة نصف إنتصار. أما في سوريا فإن حاجز الخوف انكسر. لكن سلمية الثورة لم تدم أكثر من شهرين إذ تحولت مُسلَّحة. ولم يكن هناك إجماع أو شبه إجماع على تأييدها، بل ربما لم يكن تأييدها كبيراً علماً أن التجانس الشعبي أيضاً كان غائباً عنها. أما الجيش فوقف مع النظام وقاتل معه ولا يزال يقاتل معه هنا.
في أي مناسبة حدّد الدكتور خير الدين حسيب عوامل نجاح الثورات أو إخفاقها؟ وهل كان تحليله للثورات الأربع التي أختارها من “الربيع العربي” مطابقاً للواقع مئة في المئة؟
المناسبة كانت لقاء بحثياً في مركز الدراسات الذي يديره بكفاءة، تحدَّث فيه الدكتور المصري وليد عبد المجيد عن “مصر… إلى أين”؟، وعلّق على بحثه الدكتور المصري أيضاً حسن نافعه وعدد من الباحثين ومتعاطي الشأن العام والإعلامي اللبنانيين. أما التحليل فكان مطابقاً للواقع في تونس وفي مصر وفي اليمن. أما في سوريا فكانت مُطابقة غير مكتملة وذلك من زاويتين. فالثورة السورية بدأت سلمية واستمرت سلمية أشهراً. لكن النظام تعمّد جرّها إلى العسكرة بقمع غير إنساني لها. كما أن تردُّد الدول العربية وتركيا وأميركا وأوروبا في دعم الثورة من جهة، وحزم روسيا وإيران والصين في دعم النظام من جهة ثانية وضعا الثوار أمام الانكسار أو قبول المساعدة من أي كان، فدخل الأصوليون وبتسهيل من جهات عدة، النظام السوري واحد منها. وكان هدفه تغيير طبيعة الصراع بحيث يصبح بين إرهابيين تكفيريين ونظام “مدني وعلماني” يدافع عن السنّة المعتدلين، وعن الأقليات الإسلامية والمسيحية في بلاده، وعن الغرب والعالم. أما تأييد الجيش للنظام فلا نناقشه لأن أكثريته بقيت معه رغم فرار عشرات الألوف منه. لكن لا بد من ملاحظة أنه لم يكن ليصمد وليحقِّق نجاحات أخيراً وإن غير حاسمة لولا إشتراك عشرات الآلاف من الميليشيات السورية والتنظيمات غير السورية المؤيدة للعراق وإيران في الدفاع عنه.
سركيس نعوم/عوامل أربعة تُنجِح الثورات أو تُفشِّلها!
21
المقالة السابقة