عروبة الإخباري – في سابقة هي الأولى من نوعها، تقدم المدارس العامة الألمانية دروسًا في تاريخ الإسلام وتعاليمه لطلاب المرحلة الابتدائية، بالتعاون مع معلمين دربتهم الدولة وباستخدام كتب تم تأليفها خصيصًا لتساهم في حسن دمج المسلمين في المجتمع الألماني ومواجهة تزايد نفوذ الفكر الديني المتطرف.
وتقام هذه الصفوف في مدارس مقاطعة هيسة الالمانية، لتأتي جزءًا من إجماع شعبي متزايد على واجب ألمانيا إنهاء عقود من الإهمال، لتبدأ بالعناية بمواطنيها المسلمين، في سبيل تعزيز التناغم الاجتماعي، والتغلب على شيخوختها الديموغرافية، ودرء التهديدات الأمنية المحتملة.
والحاجة إلى مثل هذا التناغم في قمتها اليوم، بعدما تناقلت وسائل الإعلام الألمانية مقتل شابين ألمانيين إثنين من هيسة خلال الفصل الدراسي الماضي في سوريا، بعد استجابا، مع غيرهما، لنداء الجهاد الاسلامي ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد، جندهم متشددون سلفيون في فرانكفورت.
هاتان الحالتان دقتا ناقوس الخطر في المجتمع الألماني، تحذيرًا من انقياد الشباب الألماني المسلم وراء المتشددين أولًا، ثم من عودتهم من سوريا إلى ألمانيا محملين بخبرة كبيرة في القتال والتفجير، اكتسبوها في ساهات الحرب السورية. وهذه ليست حال ألمانيا وحدها، بل حال العديد من الدول الأوروبية، كفرنسا وبريطانيا وأسبانيا إلى الدول الاسكندينافية، التي تواجه تمدد التشدد الاسلامي بين ظهرانيها.
ويساوي المنهج المتبع في مدارس هيسة التعليم الإسلامي المثل الأخلاق البروتستانتية والكاثوليكية التي أقرتها الدولة الألمانية. ومن خلال إمداد المسلمين بلمحة عامة عن الدين الإسلامي في الصف الأول، وبنشر تعاليمه عن التسامح، تأمل السلطات في تحصين الشباب المسلم ضد الآراء الدينية المتطرفة، وفي تطمينه إلى تقبل السلطات إيمانه ومعتقده.
ومتابعة هذه الدروس غير ملزمة أبدًا، فلذوي الطلاب المسلمين الخيار الحر في ذلك. ويقول نورغويل ألتونتاس، الذي ساهم في تطوير برنامج هيسة في وزارة التربية، قال إن العائلات المسلمة تقبل بكبير حماسة على تسجيل أبنائها في المقررات الـ29 التي تم إقرارها.
لطالما واجهت السلطات الألمانية ظاهرة توسع التفكير الديني المتطرف. أما الآن، فإن الاستخبارات تراقب عن كثب عدد الجهاديين المتزايد، مع 4500 سلفي تحت الملاحظة في العام 2011 و 5500 منهم في العام 2012، وفقا لتقرير حكومي سنوي. وقال مسؤول ألماني رفض الكشف عن اسمه: “أرقام العام 2013 لم تصدر بعد، لكننا نتوقع زيادة، سواء كانت حادة أو تدريجية”.
وشمال الراين وستفاليا كانت أول ولاية ألمانية، بدأت منذ العام 2012، تدريس اسس الدين الإسلامي للتلاميذ المسلمين، في 44 مدرسة ابتدائية باللغة الألمانية. وتقول سيلفيا لورمان، وزيرة التربية والتعليم في ولاية شمال الراين ويستفاليا، إن الأمر جاء استجابة للمبادرات التي شهدتها الولاية بخصوص سياسة الاندماج الاسلامي في النسيج الألماني، “فقد تم في العام 2011 إبلاغ الحكومة الألمانية برغبتنا في اتخاذ مبادرة تكون بمثابة مؤشر على المساواة والاعتراف بالقيم الإنسانية للمواطنين من أصول مهاجرة، وإتاحة الفرصة للتلاميذ المسلمين لتعلم دينهم في المدارس الألمانية، كما هو الحال بالنسبة للمسيحيين واليهود”.
وتضيف: “لتحقيق ذلك كان من الواجب إيجاد شركاء يمثلون المسلمين الألمان لدى المؤسسات الحكومية، ففي السابق كان هذا مشكلُا، وفي ما يخص التصور العام للدروس والمحتوى والشكل فهو موكول للشريك الذي يمثل المسلمين ويحظى بدعمنا، وأنا سعيدة نظرًا للإعجاب الذي يبديه التلاميذ، فافتخارهم بتلقي دروس الإسلام باللغة الألمانية يمنحهم القوة، وتلك الدروس تتيح لهم حمل المعارف التي يتلقونها إلى أعلهم، ما يمنح العائلات المسلمة قدرة الحديث مع الألمان حول الدين الإسلامي باللغة الألمانية”.
وتختم قائلةً: “مادة التربية الإسلامية مدرجة على جدول تعليم التلاميذ المسلمين في ولاية شمال الراين ويستفاليا غرب ألمانيا، وبلغ عدد التلاميذ المسلمين المستفيدين من هذه الدروس 4500 تلميذ في هذه الولاية خلال نحو عام”.