” إن ما تباهى به أردوغان مراراً بأنه وحزبه استطاعا التوفيق بين مفهومي الإسلام والعلمانية في حكم تركيا، بات معرضاً للطعن في صحته، فالذي تبين أن حزبه مثل غالبية الأحزاب التي تسلمت السلطة في بلدانها، ملئ بالفساد والمفسدين, رغم ما يتبججون به من طهارة، حاول أردوغان أن يجعل منها (الطهارة) رديفه الدائم.”
بات في حكم المؤكد أن تغييرات دراماتيكية ستمر بها تركيا قريباً, وتحديداً ستطال الحزب الحاكم ( حزب التنمية والعدالة) وزعيمه أردوغان رئيس الوزراء , الذي ومنذ مظاهرات تكسيم في اسطنبول بدأ نجمه في الأفول. ذلك بعد القمع الذي واجه به المظاهرات الصاخبة, احتجاجاً على مجمل سياساته, وبعد إصراره على أن مؤامرات خارجية تستهدفه وحزبه مغلبّاً ” نظرية المؤامرة ” على الاحتجاجات الشعبية العفوية. لقد فشل أردوغان في سياسته السورية التي ارتدّت عليه وعلى تركيا عبئاً ثقيلاً. كما فشل في مشروعه السلطاني العثماني فيما يتعلق بالمنطقة وأحلامه في زعامتها. لقد باءت سياسته في مصر أيضاً بالفشل التام, تماماً كما هو مشروعه في انضمام تركيا للسوق الأوروبية المشتركة.
فضائح فساد كثيرة تستشري في حزب التنمية والعدالة وفي الحكومة التركية, وتحديداً الوزارء في الوزارات السيادية, وبخاصة انجال الوزراء المقربين منه. هذه لم تبق بعيداً من أردوغان فهي طالت نجليه أيضاً.القضاء التركي استدعاهما للتحقيق, وسط تركيز على وثائق ويكليكس التي تسربت في عام 2010, ومن ضمنها برقية للسفير الأميركي في أنقره لوزارته, تتحدث عن أن أردوغان ابتدأ في الخروج من السيطرة, وأن دكتاتوريته وقمعه سيعرضان حزب التنمية والعدالة إلى انشقاقات عرضية وطولية. هذا أيضا في ظل تسريب وثائق أخرى تتحدث عن امتلاك أردوغان لحسابات سرية في سويسرا, وأنه ساعد نجليه, الأول في شراء سفينة شحن باهظة الثمن ( تقدر بملايين الدولارات) بينما هيأ لابنه الثاني شراء فيلا(أيضاً تقدر بالملايين). إضافة إلى امتلاكه أموالاً وعقارات تجعل منه رجلاً ثرياً، وأن المقربين منه في الحكومة, في غالبيتهم تلقوا أموالاً وهدايا لتسهيل معاملات لبعض المستثمرين الأتراك والأجانب.
من زاوية ثانية، فإن ما تباهى به أردوغان مراراً بأنه وحزبه استطاعا التوفيق بين مفهومي الإسلام والعلمانية في حكم تركيا، بات معرضاً للطعن في صحته، فالذي تبين أن حزبه مثل غالبية الأحزاب التي تسلمت السلطة في بلدانها، ملئ بالفساد والمفسدين, رغم ما يتبججون به من طهارة، حاول أردوغان أن يجعل منها (الطهارة) رديفه الدائم. على الصعيد السياسي الداخلي فإن مشروع أردوغان لتعديل الدستور بالشكل الذي يضمن من خلاله, أن يكون رئيساً لتركيا وبصلاحيات رئاسية كبيرة, بعد استنفاد رئاسته للوزارء 3 مرات, قد حظي بالفشل التام، الأمر الذي جعل منه إنساناً غاضباً في تعليقاته, مستفزاً إلى الحد الذي ابتدأ به يتاجر بالأحلام القريبة من الهلوسات. لقد فشل تحالفه مع حزب جولين المستقر في الولايات المتحدة, وبات الأخير نقيضاً له ولحزبه. وقد اتهم أردوغان جولين بالتآمر لإسقاطه وسلطة حزب التنمية والعدالة،الأمر الذي يبين بوضوح حالة الارتباك التي وصل إليها رئيس الوزارء التركي.
على صعيد السياسة الخارجية فإنه لوحظ في الفترة الأخيرة, بروداً واضحاً في العلاقات التركية ـ الأميركية, وفتوراً أيضاً بين الرئيس أوباما وأردوغان, وبخاصة بعد الدعوة التي تلقاها زعيم المعارضة التركية كليشداد لزيارة واشنطن، وقيامه بهذه الزيارة ولقاءاته الناجحة بعدد من السياسيين الرسميين الأميركيين, واستمرار اللقاءات فيما بعد بين كليشداد وبين السفير الأميركي في أنقره. العلاقات أيضاً بين تركيا وإيران تمر في أزمة, وبخاصة بعد انتخاب المعتدل حسن روحاني رئيساً لإيران، وبعد عقد صفقة اتفاق نووي بين دول 5+1 وبين الجانب الإيراني. وبالعودة إلى سياسة أردوغان السورية، فقد لوحظ مؤخراً صمت تركي مطبق تجاه ما يجري في سوريا, وبخاصة بعد إعلان إنشاء إقليم الحكم الذاتي للأكراد في الشمال السوري. كذلك وجود بعض الإمارات الإسلامية التي أعلنتها الجبهة الإسلامية ( أحد أهم حليفات جبهة النصرة التابعة للقاعدة) على الحدود التركية. صحيح أن تركيا سهّلت دخول المتطرفين والأصوليين إلى سوريا، غير أنه من الصحيح أيضاً القول: إن مجرد تواجد هؤلاء في شمال سوريا سيكون عبئاً كبيراً على, فمعروف عن هذه الجماعات تلونها السياسي الدائم, وارتداداتها التحالفية المتناقضة. لهذا كله فإن سياسة أردوغان تجاه جارته السورية ارتدت سلباً على تركيا.
يبقى القول إن التصدع في حزب التنمية والعدالة بات وشيكاً, وباعتراف معظم المراقبين لما يدور في الساحة التركية. كذلك فإن الألق الذي ظهر فيه أردوغان طيلة عقد زمني من الحكم في تركيا, بدأ في الخفوت والتحول التدريجي إلى اللون القاتم، الأمر الذي يدفعنا إلى القول بأن مرحلة جديدة بدأت بها تركيا هي مرحلة ما بعد أردوغان, حتى وإن طال قليلاً تسلم الأخير لمنصب رئيس الوزارء التركي.