ما يثلج الصدر حقا ويشعرني بقدر كبير من مشاعر الغبطة والاعتزاز هو تفاعل الشعب العماني دائماً مع قضايا الوطن بشكل عفوي، مؤكدا مراراً وتكراراً على روح الانتماء للوطن والتصدي لكل من يحاول المساس به، حيث سرعان ما يتحد الجميع ليردوا بقوة على كل من يتجرأ على سلطنتهم الحبيبة. وضمن هذا السياق، لا يمكن إغفال الدور المحوري المهم والمؤثر لمواقع مثل تويتر وفيسبوك وغيرها، حيث أصبحت مقياساً مهماً للرأي.
أيضا، فإن المكانة الدولية العالية التي تبوأتها عمان وكذلك تعاظم ثقلها السياسي دوليا وإقليميا بفضل السياسة الحكيمة لجلالة السلطان المفدى – أبقاه الله – يعتبر مثار فخر لنا جميعاً، حيث طالما استطاعت السياسة العُمانية أن تسجل موقفا يحسب لها. ان الالتزام بالموضوعية والإيجابية، وعدم الانجراف نحو القرارات المتسرعة وغير المدروسة والمحكومة بالعاطفة، هو ما يميز السلطنة في عملها السياسي. العمانيون يدركون يقينا أن موقع السلطنة الاسـتراتيجي المهم قد حملها مسؤولية كبيرة تمثلت في المساهمة بشكل رئيسي في تأمين حماية مدخل الخليج العربي الذي يعد من أهم خلجان العالم لأسباب بديهية و معروفة، وبسبب هذا كله، اتخذت عُمان سياسة خارجية ركزت كل التركيز على صيانة الأمن والسلم في الخليج. نعم، لقد كان لعمان الكثير من التوجهات والقرارات المتفردة بعد أن ذهبت معظم دول المنطقة إلى اتجاهات سياسية أخرى مختلفة، إلا أن ذلك لم يؤثر في الموقف العُماني، إذ غالباً ما كانت الدول المنازعة لها والمختلفة معها تعود إلى الأخذ بالرأي العُماني، و طالما أكدت السلطنة في كل مناسبة على انتمائها العروبي وأنها جزء من الأمة العربية، ما يحتم عليها الالتزام بالوقوف مع كل قضايا العرب والدفاع عن مصالحهم.
المتابع للشأن السياسي العماني يعي أن منهجية الحوار في الفكر السياسي العُماني قد رفضت، دائماً، سياسة الأمر الواقع، ولقد عرفت المنطقة العربية على اتساعها واتساع قضاياها، ودول الخليج العربية الشقيقة على وجه الخصوص مصداقية الرؤية العُمانية، وذلك عندما اكتوت هذه الدول بنيران ثلاثة حروب.
لقد أوجدت عُمان مكاناً مهماً لها على ساحة كل الأحداث والقضايا التي شهدتها المنطقة وذلك من خلال تكريس منطق العلاقات الحسنة ومنهجتها وإسقاط الشعارات الجوفاء والبراقة والاتهامات المتبادلة، كما ان السلطنة طالما بادرت بالتعامل مع معطيات الأحداث بكل حيادية إيجابية. وعلى سبيل المثال لا الحصر لم تنكر عُمان على مصر كامب ديفيد، ولكنها أكدت أنها ستقف مع الحق العربي كيفما استدار. وفي حروب الخليج لم تكن السياسة العُمانية تشتط، ولكنها عملت على اغتنام علاقاتها مع كل أطراف النزاع للاحتفاظ بمخرج يمكن أن تمر به مقدرات الأحداث، إن هي اتجهت نحو الحلول السلمية. وفي الحرب العراقية الإيرانية نهجت السياسة الخارجية العُمانية مسلكاً توفيقياً، كما سعت السلطنة إلى المشاركة الفاعلة في الجهود التي بذلت لإعادة مصر إلى الصف العربي، بعد أن تعرضت لنقد وهجوم شرسين انذاك. وفي قضية دخول العراق إلى الكويت ظلت السلطنة تمارس سياسة الحياد والتعقل الأمر الذي مكنّها من قيادة محادثات واتصالات أفادت في إبقاء العراق في الصف العربي، وفي الوقت نفسه تحرير الكويت.
ان بعد نظر السياسة العمانية التي من ابرز سماتها الهدوء والصراحة والوضوح في التعامل مع الآخرين والبعيدة كل البعد عن الازدواجية لن يفهمها من لا يستقرئ الأحداث ولا يقرأ التاريخ أو يفهمه. لذلك قد تثير مواقف السلطنة أحيانا ردود فعل واسعة وتعليقات متضاربة في وسائل الاعلام التقليدية بشكل عام و قنوات التواصل الاجتماعي بشكل خاص. وأود أن أؤشّر هنا على روح الحس الوطني الكبير والمسؤول الذي المسه دوما من إخوتي وأخواتي مواطني هذ البلد المعطاء الذي فتح اأذرعه للجميع تجاه تعاملهم مع القضايا التي تمس الوطن، حيث طالما أكدوا عبر مواقع التواصل الاجتماعي على الروح الوطنية العالية. وكأني بالجميع يقول قلوبنا كلّها مع الوطن الأشم ومع رؤية صاحب الجلالة السلطان المعظّم – حفظه الله و رعاه – لمستقبل عمان. وبالرغم من أن لكل منهم وجهة نظره، لكن يبقى هاجس الجميع حب الوطن وقيادته الحكيمة والمحافظة على إرث الانجازات الوطنية.
كل عام وأنت بخير … ياوطني.
أسامة الحرمي/سياسة متزنة ومستقرة …
40
المقالة السابقة