عروبة الإخباري – قال د.صائب عريقات مسؤول وفد المفاوضات مع دولة الكيان، أنه ” لم أعد أتحمل أخلاقيا أن أستمر في ظل هذه الجرائم المرتكبة من قبل إسرائيل. بعد ذلك، أخذت المفاوضات منحى آخر،وذلك في لقاء مع صحيفة “الشرق الاوسط” السعودية،وتاليا نصها:
* سأبدأ بما يثار حول اتفاق إطار يمكن أن يقدمه وزير الخارجية الأميركي جون كيري خلال زيارته القريبة للمنطقة، هل أنتم مستعدون من حيث المبدأ للتوقيع؟
– بالنسبة للمفاوضات، آخر جلسة عقدت كانت في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وبالفعل، خرجنا بهوة سحيقة بين الجانبين. والنتيجة، خلال ثلاثة أشهر من المفاوضات، هي أن إسرائيل قتلت 33 فلسطينيا بدم بارد، وطرحت عطاءات 5992 مستوطنة وهو يشكل ثلاثة أضعاف النمو الطبيعي في نيويورك، وهدمت 212 بيتا في القدس ومناطق «جيم»، فقدمت استقالتي. لم أعد أتحمل أخلاقيا أن أستمر في ظل هذه الجرائم المرتكبة من قبل إسرائيل. بعد ذلك، أخذت المفاوضات منحى آخر، أصبحت محادثات فلسطينية – أميركية، وإسرائيلية – أميركية. إلى هذه اللحظة، حسب معلوماتي، لم تقدم أميركا أي شيء رسمي، لم تقدم أي خطة. أميركا تطرح بالونات اختبار، أفكارا وردود فعل، وسلوكها التفاوضي في هذه المسألة واضح جدا. وفي الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي بعد جلسات طويلة بين أبو مازن وكيري، بعث الرئيس أبو مازن برسالة خطية للرئيس الأميركي باراك أوباما، وهي رسالة نوعيتها مختلفة، حدد فيها ما الذي لا يستطيع قبوله كفلسطيني، وكشعب، وكمنظمة تحرير.
* ماذا قال في الرسالة؟
– أولا، قال: «لا نستطيع قبول إسرائيل كدولة يهودية»، ثانيا: «لا نستطيع قبول أي دولة فلسطينية على حدود 67 من دون القدس»، ثالثا: «لا نستطيع قبول أي إسرائيلي على الأراضي الفلسطينية برا وبحرا وجوا ومعبرا، بعد استكمال الانسحاب التدريجي». رابعا: «لا أستطيع قبول أي حل من دون ممارسة اللاجئين حقهم في الخيار حسب القرار 194. حق العودة والتعويض، والإفراج عن المعتقلين حال التوقيع على الاتفاق». هذا هو الموقف الفلسطيني. وذهب الرئيس أبو مازن إلى الجامعة العربية، التي أرسلت مشكورة رسالة رسمية إلى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة (بان كي مون)، أكدت فيها ما قاله الرئيس أبو مازن للإدارة الأميركية، كما بعثت رئيسة متابعة المبادرة العربية مشكورة، وهي قطر، برسالة مشابهة. الآن، سمعنا أن كيري عائد إلى المنطقة.. ما الذي يحمله معه؟ ما التسمية التي سيطلقونها؟ ما المضمون؟ لا نعلم، ومن السابق لأوانه أن نعرف.
* إذن، السقف الفلسطيني لأي طرح جديد هو رسالة أبو مازن؟
– ليس سقفنا، إنه مرجعيتنا لعملية السلام. وبالمناسبة، وخلافا لما يقوله الآخرون لنا، المفاوضات مداها تسعة أشهر، والهدف هو الوصول إلى اتفاق حول كل قضايا الوضع النهائي، وجاء نصا في الاتفاق مع كيري لا للحلول الانتقالية ولا المرحلية، وتمديد دقيقة واحدة بعد تسعة أشهر مستحيل. وتدرك الإدارة الأميركية أن استمرار تسعة أشهر مستحيل، وهم يريدون تقصير المدة كي يحافظوا على عملية السلام وليس تطويل المدة، لكن أمام تصميم إسرائيل على فرض وقائع جديدة (لا يمكن).
يعني لجنة وزارية إسرائيلية تطرح مشروعا بضم 29 في المائة من الضفة الغربية (الأغوار)؛ أي 2070 كيلومترا، ثم تقرها لجنة وزارية. لا يمكن أن يحدث ذلك من دون (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو، هذا دليل على أن حكومة إسرائيل تريد تدمير جهود عملية السلام.
* وما البديل أمامكم؟
– ثلاث مسائل واجبة الاتباع الآن. أولا: أعتقد أن على السلطة الوطنية التوقيع على الانضمام إلى مواثيق جنيف الأربعة لعام 1949 والبروتوكول الإضافي لعام 1977. وبذلك، تصبح فلسطين، بعاصمتها القدس، دولة تحت الاحتلال بشكل رسمي. دولة متعاقدة سامية. ومن حقنا التوقيع على ميثاق روما تنفيذا لقرار محكمة الجنايات الدولية. والذي يخشى من محكمة الجنايات الدولية عليه أن يوقف الجرائم. الأمر الثاني: هو أن تحذو دول العالم حذو ما سيقوم به الاتحاد الأوروبي بدءا من الأول من هذا العام، والذي سيدخل حيز التنفيذ مشروع تجفيف مستنقع الاستيطان الإسرائيلي وعدم التعامل مع الاستيطان ومقاطعة الاحتلال بكل الأشكال. الأمر الثالث: أن يقوم الاتحاد الأوروبي ومن لم يعترف بدولة فلسطين، بالاعتراف، إذا أراد العالم الحفاظ على الدولتين.
* في موضوع الاستيطان، الإسرائيليون يقولون إنه يجري مقابل إطلاق سراح أسرى، وإن هذا متفق عليه؟
– هذا كذب.. وأعود لتصريحات كيري ببيت لحم في السادس من نوفمبر الماضي بعد لقائه الرئيس عباس، إذ قال للعالم إن صفقة الأسرى تجري مقابل عدم الذهاب إلى الأمم المتحدة. هذا صحيح. نحن امتنعنا عن الذهاب إلى الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية مقابل الإفراج عن 104 أسرى. نتنياهو يقول: أسرى مقابل استيطان وكتل وكل ذلك، هذا دليل إضافي على جهوده غير منقطعة النظير لإفشال عملية السلام وإفشال جهود كيري. وأنا أقول إن الحكومة الإسرائيلية وحدها تتحمل إفشال عملية السلام. لا علاقة للأسرى بالمفاوضات أبدا، بل بعدم توجهنا للمؤسسات الدولية، وهذا ثمن باهظ دفعناه، لكنه مستحق لأن الشعوب التي تحترم نفسها تخوض حروبا للإفراج عن أبنائها.
* وهل هذا الاتفاق هو لـتسعة أشهر فقط؟ يعني محدد أو مفتوح؟
– تسعة أشهر فقط، وهو اتفاق خارج إطار المفاوضات.
* في موضوع الأشهر التسعة، وبصراحة، هل بإمكانكم الموافقة على تمديد المفاوضات إذا جاءكم كيري باتفاق مقنع؟
– لا أعتقد. نحن لسنا بحاجة إلى تمديد المفاوضات. المسائل واضحة ومحددة. دولة على حدود 67 وانسحاب إسرائيلي.
* لكن، هل تقبل إسرائيل انسحابا مباشرا.. إنهم يرفضون حتى مغادرة الأغوار؟! – انسحاب تدريجي. فليطبقوا مثال سيناء. الانسحاب لن يجري خلال يوم، نحن نعرف أن الانسحاب بحاجة إلى سقف زمني.
* ما السقف المقبول لديكم؟
– عندما قلت: سيناء. الانسحاب من هناك استغرق ثلاث سنوات، يعني من الممكن أن نكون بحاجة إلى عامين أو ثلاثة، لكن الرئيس أبو مازن هو الذي يتفق حول ذلك. بعد ذلك، من غير المسموح أن يبقى أي جندي إسرائيلي.
* وهل جاء الحديث عن انسحاب تدريجي في إطار خطة أمنية قدمها كيري؟
– كيري لم يطرح أي خطة، إنه يطرح بالونات اختبار فقط.
* لا سياسية ولا أمنية؟
– لا.. لا. يعني، الذي سيتزوج يجب أن يوقع على ورقة، وليس مجرد حديث شفهي، أنت وقعت، فما بالك بخطة؟
* لكن، لو سألتني قبل أن أوقع فسأقول لك إنه يوجد مشروع زواج؟
– لكن الإشهار هو الأساس. يمكنه أن يقول ما يشاء، لكن عندما يريد تقديم خطة عليه أن يقدم خطة مكتوبة لنا. إلى الآن لم يقدم ذلك، ولا أعتقد أنه سيقدمها في وقت قريب.
* بخصوص الأفكار، هل صحيح أنه عرض بقاء القوات الإسرائيلية في الأغوار؟
– لا أستطيع الخوض في التفاصيل التي جرت بين الرئيس وكيري.
* أنتم شاركتم في نحو 20 لقاء؟
– نعم، تقريبا.
* وهل توصلتم إلى نقطة اتفاق واحدة؟
– لم نتوصل إلى اتفاق.. نحن طرحنا مواقفنا، ولم نكن عبثيين على الإطلاق. لكن، بصراحة مع كل جلسة، كانت الهوة تزداد عمقا.
* الآن، أنت مستقيل؟
– نعم.
* هل التقيت المفاوضين الإسرائيليين بعد الاستقالة؟
– استقالتي لم تدخل حيز التنفيذ.. هي أمام السيد الرئيس.
* يعني، لم يوافق عليها؟
– أنا مصر عليها ولكن علي اتباع الإجراءات الواجبة، أنا لا أستطيع أن أترك دائرة شؤون المفاوضات دون وجود بديل. وهناك بدائل. نعم، التقيت الإسرائيليين؛ التقيت السيدة (تسيبي) ليفني، وزيرة العدل الإسرائيلية، في واشنطن، على هامش مؤتمر سابان، والتقينا على انفراد مع كيري وبشكل مشترك كذلك، والتقيتها مرة أخرى فيما يتعلق بقضية الأسرى. لكن، لم تجر أي مفاوضات رسمية بين الجانبين منذ الخامس من نوفمبر الماضي.
* تقول إنك مصر على الاستقالة.. ماذا لو طلب منك الرئيس أن تستمر؟
– الاستقالة أمامه، وأنا أناشده أن يقبل.
* وإذا لم يقبلها؟
– إن شاء الله يقبلها؟
* يقول عنك الرئيس إنك «ذاكرة المفاوضات»؟
– الشعب مليء بالكفاءات ولا يوجد في هذا العالم من لا يمكن الاستغناء عنه؛ ديغول عندما أراد الاستقالة، احتجوا عليه.. قالوا له: كيف تستقيل؟! ذهب إلى نافذة مكتبه وقال للحضور: انظروا.. كانت هناك مقبرة. وأضاف: هنا دفن ناس كثيرون كنا نعتقد أنه لا يمكن الاستغناء عنهم.. لا يوجد على الأرض من لا يمكن الاستغناء عنه، والشعب الفلسطيني شعب كفاءات، وهناك من هو أفضل مني. المفاوض ليس صانع قرار ويجب ألا يكون صانع قرار.
* لكن، أنت في مركز صنع القرار بعدّك عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وعضو مركزية فتح؟
– نعم. لكن، بصفتي مفاوضا لست صانع قرار. أنا أذهب بتعليمات.
* قبل بدء المفاوضات الحالية، قلتم إنه يجب أن تنطلق من حيث انتهت مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، هل استجاب الإسرائيليون لذلك؟
– لا أريد الخوض في التفاصيل، هذا ما تعهدنا به، لكن كل ما أقوله لك أن المسائل واضحة ومحددة، المواضيع هي: القدس، والمستوطنات، والأمن، والمياه، والأسرى، والحدود، واللاجئين، مرجعيتها دولتان على حدود 67. هذا ما كنا نتحدث عنه.
* ولكن، على الأقل نريد أن نعرف أين توقفت المفاوضات مع أولمرت؟
– توقفت مع أولمرت في نهاية 2008، وقد طرح أولمرت خارطة على الرئيس بـ100 في المائة من مساحة الضفة وغزة والقدس، وزاد عليها 20 كيلومترا. هذا حقيقة.
* مقابل ماذا؟
– لم تكتمل. نحن لم نرفض، كانت هناك محادثات جارية، وقال له الرئيس: «إذا اعترفتم بدولة على حدود 67، فنحن مستعدون لتبادل 1.9 في المائة. فقال أولمرت: «أريد 6.5 في المائة بالقيمة والمثل». وهنا، توقفت المفاوضات بعد أن سقط أولمرت.
* نريد شرحا أوفى لموضوع التبادل؟ هل يتضمن مستوطنات على الأرض الفلسطينية؟
– لم يجر الحديث عن مناطق محددة. نحن قلنا كمبدأ: إذا اعترفتم بنا يطرح الموضوع للنقاش. لكن، لا يمكن الحديث عن مبدأ التبادل من دون الإقرار بسيادة دولة فلسطين. مثلا: السعودية والأردن تبادلتا 29 ألف كيلومتر عام 1965. الأردن والعراق تبادلا 24 ألف كيلومتر عام 1984، وكذلك كندا وأميركا، وأميركا والمكسيك. هذا قانون يجري باتفاق بين دولتين ذات سيادتين، ومن دون أن يكون معترفا بنا لا يمكن أن نتحدث عن التبادل. موقفنا، أنه في حالة قبولنا كدولة كاملة السيادة، واعتراف إسرائيل بنا، وطرح هذا الموضوع – فسنناقشه.
* لكن، في إسرائيل يقولون إنهم سيضمون إليهم أربعة مجمعات استيطانية كبيرة من الضفة، وإنكم موافقون على ذلك؟
– أنا لا أستطيع أن أقف حارسا على شفاه الإسرائيليين. لكن، يجب أن يكون واضحا أن الاستيطان بكل أشكاله وأنواعه باطل ولاغ وغير شرعي، ومخالف للقانون الدولي، ويرقى إلى جريمة حرب.
* نحن أمام 1400 وحدة جديدة متوقعة؟
– إذا أعلن نتنياهو عن 1400 وحدة جديدة، فسيكون أعلن منذ 29 يوليو (تموز) الماضي؛ أي منذ بداية المفاوضات، عن 7392 وحدة استيطانية وهو ثلاثة أضعاف النمو الطبيعي في نيويورك، وهذا ما يجعلني أقول إن نتنياهو أفشل المفاوضات.
* أنت تدعم الذهاب إلى المنظمات الدولية، لماذا؟ وكيف تستفيدون من ذلك أمام قوة محتلة تتحكم في كل التفاصيل؟
– (يبتسم). بعد 29 نوفمبر 2012 (الاعتراف بفلسطين دولة غير كاملة العضوية في الأمم المتحدة) ليس كما قبله. انضمام فلسطين إلى مواثيق جنيف الأربعة يجعل منها دولة تحت الاحتلال بعاصمتها القدس كما كانت النرويج وهولندا وبلجيكا وفرنسا وكوريا والفلبين إبان الحرب العالمية الثانية تحت الاحتلالين الألماني والياباني، فإذا ما أعلنت حاضنة المواثيق، وهي سويسرا، قبول فلسطين دولة متعاقدة سامية، يصبح أي مشروع استيطاني على أرضنا جريمة حرب، ولذلك تبعات. والمسألة في تسلسل منطقي. وهناك 63 مؤسسة دولية كذلك (سننضم إليها)، والذي يخشى من محاكمة الجنايات الدولية عليه أن يوقف الجرائم.
* هل هذه هي استراتيجيتكم المقبلة؟
– كما نضع نحن استراتيجية يضع نتنياهو ذلك أيضا، إنه يعمل على ثلاثة محاور؛ الأول: هو يريد السلطة من دون سلطة. والثاني: يريد احتلالا من دون تكلفة. والمحور الثالث أن يجعل غزة خارج الفضاء الفلسطيني، يريد إبقاء الأوضاع على ما هي عليه. نحن نقول إن السلطة ولدت لنقل الفلسطينيين من الاحتلال إلى الاستقلال ولن تكون لها وظيفة ثانية، وإذا أعتقد أنه سيحول وظيفة السلطة إلى تنسيق مالي وأمني فهو مخطئ. السلطة مهمتها أن تنقل الشعب الفلسطيني إلى الاستقلال، فإما تكون هكذا وإما لا تكون.
* هل تلمح إلى حل السلطة؟
– لا.. لا.
* هل هناك كثيرون يدعون إلى ذلك؟
– لقد كتبت دراسة قبل عامين ونصف العام، وقدمتها للقيادة، قلت إن هذه السلطة ولدت لنقل الشعب الفلسطيني إلى الاستقلال، نتنياهو يحاول تغيير وظيفة السلطة. السلطة لن تستطيع الصمود، ستنهار، أنا لا أدعو إلى حلها، هذا ليس حلا للسلطة، لكنها بهذه الطريقة ستنهار. علينا أن ندرس قرار الجمعية العامة الأخير، لدينا بدائل، اللجنة التنفيذية هي الحكومة المؤقتة لدولة فلسطين، والمطلوب عمله في انتخابات مستقبلية هو انتخاب برلمان دولة فلسطين وقيام دولة فلسطين، وعلينا أن نكرس الدولة، ولكن هذا يتطلب تطبيق المصالحة قبل أي عمل آخر. حركة حماس مطالبة بمراجعة موقفها، والعودة.. والقبول بالعودة إلى إرادة الشعب عبر انتخابات رئاسية وتشريعية ومجلس وطني وبشكل فوري، عندما نختلف نعود إلى صناديق الاقتراع وليس الرصاص. ثانيا، ذهابنا إلى المؤسسات الدولية والعضوية، هذا هو الرد الحاسم على استراتيجية نتنياهو. الأمر الثالث، تعزيز عمقنا العربي، عمودنا الفقري هو عالمنا العربي، ولم يحدث أن كنا معززين ومؤيدين من العرب كما نحن عليه الآن. رابعا، بعدنا الدولي لم يكن معززا كما نحن عليه الآن، والعالم أجمع مدرك أن هزيمة التطرف تتطلب تجفيف مستنقع الاحتلال، الإدارة الدولية عالمة بذلك.
المسألة الأخرى في استراتيجيتنا، هي بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية، لأن الدولة عائدة إلى الخريطة الجغرافية، وستكون دولة مساءلة ومحاسبة ومكاشفة وديمقراطية، لها حريات للجميع، وحريات دينية كذلك، هذه هي فلسطين وهذه رسالة فلسطين.
* وهل ترى فلسطين هذه قريبة؟
– نعم.. نحن نشعر بأننا ولدنا كفلسطينيين لإعادة فلسطين إلى خريطة الجغرافيا، والوطنية الفلسطينية تعني مقدار ما يقدمه أي فلسطيني لمجتمعه في مجال تخصصه، لا فهلوة ولا شعارات. ومن هنا، نحن 11 مليون فلسطيني في القارات الخمس، لا فرق بين فلسطيني وآخر إلا ما الذي سنقدمه لإعادة فلسطين إلى خريطة الجغرافيا.
* البعض يعتقدون أن حل الدولتين صعب وبعيد، بل مات. وينادون بتبني فكرة حل الدولة الواحدة؟
– لا يوجد حل اسمه حل الدولة الواحدة. الحل يتطلب موافقة طرفين، وإسرائيل لن توافق على الإطلاق، هناك واقع الدولة الواحدة، لكن ما يطرحه ويسعى إليه نتنياهو عمليا هو دولة واحدة بنظامين.
* وما الفرق. هل لك أن تشرح ذلك؟
– نحن نسعى لدولتين مستقلتين، لكن نتنياهو الآن باستمراره في الاستيطان والقتل والاقتحامات والإملاءات، يسعى عمليا لدولة واحدة بنظامين.. أبارتايد (قالها مشددا عليها مرتين). ومرة أخرى أعيد ما قلته مرارا: يوجد الآن طرق لا يسمح للفلسطينيين باستخدامها في محافظات الضفة، لم يحدث في جنوب أفريقيا العنصرية أن منع الأسود من استخدام طريق يستخدمه الأبيض، هذا نظام أبارتايد أسوأ وأعمق مما كان عليه في جنوب أفريقيا. إنهم يريدون دولة إسرائيل من النهر إلى البحر، ويريدون أقلية عربية لها مؤسساتها، لها مدارسها وجامعاتها وبرلمانها، لكن اليد الطولى العليا في السيطرة على الأرض والسماء والجو والمعابر هي لإسرائيل، وهذا ما قصدته بدولة بنظامين، تماما كما كانت جنوب أفريقيا دولة بنظامين.
* بالإضافة إلى البدائل الكثيرة التي تحدثت عنها، هل بديل المقاومة مطروح أمامكم على الطاولة؟
– الوجود الفلسطيني هو مقاومة، الجامعة.. المستشفى.. الصحافي.. مقاومة، وهذا مشروع. نحن ولدنا شعبا مقاوما للظلم والشر والاحتلال، لكن المقاومة شيء واستغلال المقاومة شيء آخر، نحن شعب مقاوم ولنا الحق في هذه المقاومة، ونتسلح الآن بدعم غير مسبوق لنا بمقاومة شعبية سلمية.
* قلت إن المفاوضات متوقفة؛ مشكلتكم إذن مع حكومة يقودها نتنياهو أم مع الإسرائيليين ككل؟
– أنا لا أختار من يفاوضني، نحن نريد السلام مع كل الإسرائيليين، هم يعرفون ذلك.. لكن سلامنا لن يكون بأي ثمن.
* كيف؟
– لنا 37 كيلومترا على البحر الميت، لنا 97 كيلومترا من الحدود على نهر الأردن، لنا حقوق مائية في نهر الأردن، لنا القدس الشرقية، لنا ممر آمن بين الضفة وغزة تحت سيادتنا، لنا أربعة كيلومترات منطقة حراما في القدس، لنا 46 كيلومترا منطقة حراما في اللطرون (منطقة مهجرة شمال القدس)، ولنا مياه إقليمية على بحر غزة، وحق عودة اللاجئين. وأنا أوصي الجميع بألا يقايضوا حقا بحق. الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، معلمنا وقائدنا، قتل وحوصر مظلوما ومسموما، لا لشيء، بل لأنه تمسك بما أقره لنا القانون الدولي. إذا اعتقدت إسرائيل أن عاما أو عشرين أو أكثر ستستطيع أن تخفض هذا السقف فهي واهمة.
* هل تخشى على أبو مازن من مصير أبو عمار؟
– نعم. طبعا. قرأت رسائل وجهها (أفيغدور) ليبرمان، وزير خارجية إسرائيل (لدول أوروبية مختلفة)، ولدي نسخ منها، يطلب رسميا التخلص من الرئيس محمود عباس، ويعده خطرا على إسرائيل. هم (الإسرائيليون) لديهم هذا النهج، قبل أن يقتل الرئيس عرفات مسموما، كانت هناك أصوات في حكومة شارون تقول إن الرئيس عرفات كان عقبة ويجب التخلص منه، ويكررون ذلك الآن، وأنا أقول لك: لو جاءت الأم تيريزا (راهبة ذات أصول ألبانية وممرضة عملت في الهند وحائزة جائزة نوبل للسلام عام 1979) رئيسة للشعب الفلسطيني، ومونتيسكيو (فيلسوف فرنسي صاحب نظرية فصل السلطات الذي تعتمده غالبية الأنظمة حاليا) رئيسا للبرلمان، وتوماس جيفرسون (أحد أشهر الرؤساء الأميركيين والمؤلف الرئيس لإعلان الاستقلال الأميركي) رئيسا للوزراء، وتمسكوا بدولة فلسطينية على حدود 67 وعاصمتها القدس، وحل قضية اللاجئين – لوصفوهم بأنهم غير شركاء وإرهابيون يجب التخلص منهم.
* أطلق عليكم الرئيس لقب «ذاكرة المفاوضات»، أريد أن أسألكم بعد 20 سنة من المفاوضات: ما القرار الذي أخذتموه وندمتم عليه.
– (بعد تفكير بسيط).. لا أريد أن أخوض في أي من التفاصيل.
* ما القرار الذي كان يجب أن تتخذوه ولم تقدموا عليه؟
– (بعد تفكير أيضا). في اعتقادي، إننا قد نكون ارتكبنا خطأ كبيرا عندما حصلنا على مكانة لدولة فلسطين كدولة غير عضو عام 2012 ولم نذهب مباشرة للمؤسسات الدولية لطلب عضوية هذه المؤسسات. أنا لا أقول إنه لا توجد أخطاء (أخرى). سنكتب يوما قريبا عن مجمل المفاوضات.. هذا حق لأحفادي وأحفادك.
* مذكرات يعني؟
– لا.. لا.
* هل نفهم أنك مغادر؟
– استقالتي قائمة، وأرجو قبولها، وأنا صاحب هذا الشأن، ولا أريد أن أقول أكثر من ذلك. المسألة ليست بالشخصنة، أنا لم أولد إلا جنديا فلسطينيا، وكل ما أقوم به لا يرقى إلى أظفار شهيد، وويل لأمة يصبح الفرد من قادتها يشعر بأنه أهم من قضيته، أنا جندي والحياة مستمرة والشعب الفلسطيني كله كفاءات تستطيع النهوض بهذه المسألة أكثر مني.