من حقّ المواطن أن يجد عملاً يعتاش منه، وتأميناً على صحته، وفرصاً للتعليم، ومن واجب الدولة أن تسعى بكلّ طاقاتها إلى توفير هذه الحقوق لمواطنيها دون محاباة أو تمييز. لكنّ ذلك لا يعني أن تكون كل مؤسسة من مؤسّساتنا الوطنية مسؤولة عن ذلك كّله، بل إنّ ثمّة اختصاصات لكل مؤسّسة، فبعضها مختصّ بتوفير فرص عمل للمواطنين وفق قواعد وأصول وموازين محددة ودقيقة، وبعضها مختصّ بتوفير فرص للتعليم وفق مقاييس وشروط محدّدة أيضاً، وبعضها مسؤولٌ عن توفير الرعاية الصحيّة للمواطنين، وبعضها مسؤول عن الرعاية الاجتماعية، وهكذا.
ولا يجوز بأي حال أن تتداخل صلاحيات هذه المؤسّسات، فتصبح وزارة الزراعة مثلاً مسؤولة عن الرعاية الصحيّة للمواطنين وإن كان للزراعة جانب صحّي، وتصبح وزارة التربية والتعليم مسؤولة عن توفير الطاقة والمحروقات للمواطنين، ومن هذا المنطلق فإنّ مسؤولية الرعاية الاجتماعية ومكافحة جيوب الفقر تقع على عاتق وزارة التنمية الاجتماعية والمؤسسات الخيرية المختلفة، كما أنّ مسؤولية إيجاد فرص عمل للعاطلين عن العمل تقع على عاتق وزارة العمل، ومسؤولية الرعاية الصحيّة تقع على عاتق وزارة الصحة، وهكذا.
ولا يجوز تحميل مؤسسات الدولة المختلفة مسؤوليات خارجة عن اختصاصاتها لأنّ ذلك يعيق أداءها ويعرقل قيامها بدورها الذي أنشئت من أجله.
وأضرب بذلك مثالاً على الجامعات فإنّ مهمتها الأساسية هي تسليح الأجيال بالعلم والمعرفة والتخصصات التي يحتاج إليها المجتمع في مراحل بنائه وتطوّره، وأما ما يرافق ذلك من توفير فرص عمل وتوظيف بعض المختصين والإداريين وسواهم فما هو إلاّ وسيلة لتحقيق الهدف الأصلي، أمّا أن يتحول دور الجامعة الرئيسي من التعليم إلى التوظيف، فهو انحرافٌ عن الهدف الأصليّ، وإساءة بالغة للرسالة المقدّسة للجامعات.
إنّ تنمية المجتمع المحلّي التي يتذرّع بها الوجهاء والنوّاب وأصحاب الواسطات وهم يراجعون الجامعات، ليس المقصود منها استيعاب أبناء المجتمع المحلّي في وظائف قد يكون أكثرها وهميّاً، بل إنّ تنمية المجتمع المحلّي وخدمته تكون أساساً في تسليح أبناء هذا المجتمع بما يمكّنهم من تحقيق تنمية في مختلف المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والتكنولوجية وغيرها.
إنّ الجامعات ليست مؤسسات خيرية مخصّصة للعطف على من يوصفون بالحالات الإنسانية، بل هي مؤسّسات لرعاية المبدعين والمتفوقين والمتميزين والعلماء في مختلف المجالات، وليس من اختصاصها إيواء الضعفاء والفقراء والمساكين والمحتاجين وأبناء الجيران، فهذا كلّه من اختصاص وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة العمل.
إنّ مطالبة المجتمع للجامعات بأن تنشغل بالتوظيف وتوفير فرص عمل للعاطلين واستيعاب الحالات الإنسانية، ورضوخ الإدارات الجامعية لهذه المطالب إمّا من باب العطف على الفقراء أو من أي باب آخر، قد أضرّ بالجامعات الأردنية كثيراً وأخرجها عن مسارها ورسالتها العلمية، وهو بلا شكّ سببٌ رئيسي من أسباب المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها هذه الجامعات، ومسببٌ رئيسي من مسبّبات المشاجرات الطلاّبية التي تشهدها معظم جامعاتنا.
إنّ السبيل إلى النجاح والاستقرار لا يكون إلاّ في إحالة كل مهمّة إلى الجهّة التي تختصّ بها من غير أن ننسى توفير الرعاية الصحية والاجتماعية والتعليمية والمهنية والمعيشية لكلّ مواطن.
salahjarrar@hotmail.com
د.صلاح جرار/هل جامعاتنا الأردنية مؤسّسات خيرية؟
17
المقالة السابقة