فجّر وزير التربية والتعليم قنبلة مدويّة ومرعبة ، عندما قال بأن هناك ما يقارب المائة ألف من طلاب الصفوف الثلاثةِ الأولى في المدارس لا يتقنون القراءة والكتابة، وهذا العدد يمثل رقماً ضخماً من ناحية نسبيّة، مما يشيرالى خلل وطني كبير، بل عبّر عن مصيبة أو فاجعة كبرى تثير الرعب حول المستقبل الذي نحلم به، ويطمح اليه الأردنيون جميعاً .
ما أشار اليه الوزير يلامس جوهر المشكلة الحقيقية التي تعد أساس المشاكل كلها الكبرى والصغرى على جميع الصُعد وفي كل المجالات ، حيث أن المدخل الصحيح نحو التطوير والتحسين يجب أن يمر بشكل اجباري من بوابة التعليم واعداد الجيل القادم، وان العملية التنموية برمتها إذا لم ترتكز على ركن اعداد الانسان وبنائه بناءً سليماً مكتملاً، فسوف تكون عملية فاشلة ومآلها الى بوار حتمي .
إن العجز عن إعداد الطالب في المرحلة التأسيسية سوف يفضي الى العجز المتراكم والفشل المركب في كل المراحل العليا ، وصولاً الى الدراسات العليا،والتخصصات الخطيرة ذات المساس بجوهر العملية الانسانية ، إذ أنّ ما يتحدث عنه الأساتذة في مناقشة الرسائل العلمية لا يقل بشاعة عما تحدث عنه الوزير في الصفوف الدنيا، فالطالب الذي يسرق(167) صفحة من دون توثيق ولا مجرد اشارة، أو ينتحل رسالة كاملة من الجلدة الى الجلدة سوى تغيير اسم الباحث، ثم يتخرج ، ويحمل اللقب، ويتعين في احدى الجامعات ليدرس الطلاب ويخرج الأجيال فإن ذلك يمثل نخراً في البناء التربوي والتعليمي، الذي سيؤدي الى الانهيار المفجع على رؤوس ساكنيه .
سوف تبقى الجهود عبارة عن ضرب في حديد بارد ، وسوف تكون صرخة في واد ونفخة في رماد ، إذا لم يتم وضع خطة لانتشال العملية التربوية والتعليمية كلها ، خلال سنوات محددة، نبدأ بايجاد المعلم واعداده إعداداً مهنياً وخلقياً وعلمياً، والعمل على تهيئة مستوى مناسب من الحياة الكريمة من حيث الدخل والسكن وتأمين المواصلات ، قبل الحوسبة والتجهيزات والمباني والمظاهر والشكليات الاعلامية التي لا تضيف الى جوهر العملية التربوية شيئاً ذا بال أو ذا قيمة .
إن ذهاب النخبة وأصحاب النفوذ وعلية القوم الى حل مشكلاتهم ومشكلة ابنائهم عن طريق العناية بالمدارس الخاصة التي أصبحت حكراً على فئة قليلة مقتدرة مالياً، يمثل خللاً وطنياً كبيراً سوف يكون له أثر مستقبلي قادم بشكل حتمي ، لا يجوز التغاضي عنه، من حيث الانقسام المجتمعي الحاد الذي يحمل بذور النقمةِ والتفاوت الطبقي الحاد الممزوج بالجهل والتطرف والجوع.
ان صرخة وزير التربية ينبغي أن تثير الفزع لدى الحكومة ولدى أصحاب القرار بكل دوائره ومستوياته ولدى المجتمع كله، ويجب أن يتم التداعي الى مؤتمر وطني طارىء، يجتمع فيه المسؤولون وأصحاب الاختصاص والخبرة على المستوى الرسمي والشعبي ومؤسسات المجتمع المدني ، من أجل معالجة هذا الوضع الخطير.
لقد سبق للدكتور عدنان البخيت أن وصف وضع التعليم العالي بأنه أقرب الى الانهيار والفشل، مما يؤكد على خطورة تمس الجهاز العصبي للدولة الأردنية، ويحتم على رئيس الحكومة أن لا يؤجل عمل اليوم الى الغد، وان لا يتهاون في المسارعة الى المضي الجاد نحو العلاج الفوري.
د.رخيل غرايبة/وزير التربية والتعليم يفجر قنبلة
14
المقالة السابقة