سمحت السياسات الائتمانية لكبريات البنوك العالمية ومؤسسات التمويل الدولية في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي الى انتشار الفساد في اقتصادات الدول النامية، واخفاق الجهود التنموية، وادت تلك السياسات الى وقوع معظم الدول تحت مديونيات متفاقمة اصبحت ككرة ثلج متدحرجة من مرتفع تتضخم سنة بعد اخرى، وافاقت تلك البنوك متأخرة في مقدمتها صندوق النقد والبنك الدوليان، ان قسما كبيرا من القروض التي منحت الى الدول النامية تم اعادة تحويلها الى بنوك عالمية في حسابات خاصة لكبار مسؤولي معظم الدول النامية، الامر الذي رتب ديونا عالية على الدول المقترضة وخدمتها، عندها …اطلق البنك الدولي وصندوق النقد مفاهيم الحكم الرشيد والحاكمية المؤسسية التي تطورت خلال السنوات التي تبعتها، واخذت مؤسسات التمويل الاقليمية والدولية تراقب سير العمل في المشاريع وربط اطلاق القروض وفق مراحل الانجاز تلافيا لاستشراء الفساد في انظمة الحكم الاستبدادية.
اليوم يقف البنك الدولي ليذكر بان الفساد هو العدو الاول للشعوب في الدول النامية بعد ان تطور الفساد وتحول الى نمط مؤسسي مرعب، واصبح سرطانا يعيق النمو وآفة لابد من استئصالها، وحث البنك الدولي القطاعين الحكومي والخاص على اطلاق (حرب) على الفساد، وبناء مؤسسات فاعلة نزيهة لمعالجة الفساد، ومحاسبة الحكومات وفق قوانين تتيح بشكل مباشر المساءلة، وفي هذا السياق فان اي انحراف في النفقات العامة المخصصة لتطوير البنية التحتية، وتقديم الخدمات الاساسية من صحة وتعليم هو شكل من اشكال الفساد الذي يفاقم الفقر ويضعف عزيمة المجتمعات والدول للتقدم.
اليوم بعد ان شحت مصادر التمويل والمنح والمساعدات الخارجية، اصبح الفساد الاداري هو اقسى انواع الفساد، وان الامتيازات والعقود الحصرية، والعطايا لشراء الذمم، والقرارات التي تتخذ بعيدا عن اعين القوانين هي شكل من اشكال الفساد الجديد المبتكر، والشراكات لمسؤولين ومتنفذين في شركات ومؤسسات دون دفع قيمة مشاركاتهم هي انواع جديدة من الفساد، وابرام اتفاقيات يحصل عليها مسؤولون لاحقا على مزايا ومناصب في مؤسسات معروفة هي الاخرى شكل من اشكال الفساد المقنع والمؤذي للاقتصاد والدولة في نهاية المطاف.
وفي ضوء ذلك وغيره فان الحاجة تستدعي مضاعفة الجهود وزيادة الضبطية على مستوى الدولة، واطلاق اليات مبدعة لتجفيف منابع الفساد، وملاحقة الفاسدين، وان المرجعية الاولى لمكافحة الفساد هي من اختصاص القضاء لاسيما القضاء المتخصص الذي يتطلب التحصين اولا، والاستثمار في الموارد البشرية والتقنية ثانيا، واعتماد قوائم ( سوداء) لمن تمت ادانتهم بحيث لا يسمح لهم تولي مسؤوليات عامة لاحقا لردع اصحاب النفوس المريضة ثالثا.
الفساد آفة التنمية…وان معالجتها تبدأ بالتثقيف المبكر في المدارس والجامعات، وتحتاج لجهد وطني عام، حتى نصل يوما ليس ببعيد لنبذ ممارسة الفساد واعتبارها تعديا على المجتمع…وهذا هو الاساس.
خالد الزبيدي/الفساد والبنوك العالمية…
22
المقالة السابقة