توجد يافطة على الطريق من دبي الى أبو ظبي تنص على «أن مَن لا يؤمن بأن الفوز Winning هو كل شيء، لا يعرف دبي». الفوز، في هذا المعنى هو فوز دبي، بمساهمة مباشرة من أبو ظبي، باستضافة «اكسبو 2020» بعد منافسة حامية مع مدن مهمة من روسيا وتركيا والبرازيل. اتحاد دولة الإمارات العربية كله احتفى وافتخر وشعبه تطلّع الى حدث آتٍ بعد 7 سنوات بكل ايجابية نفسية واقتصادية. «أصبحنا شعباً سعيداً بسبب ايجابية قيادتنا»، قالت مواطنة اماراتية تباهت بتواضع بلادها وبرؤيوية قادتها، و «أحلامنا تتحقق». المسافة شاسعة جداً بين تحقيق احلام معظم أهل منطقة الخليج العرب وبين كوابيس تذعر أهل الشرق الأوسط في العراق وسورية ولبنان والأردن وفلسطين. ليس الفوز للجميع بالمعنى الذي قصدته يافطة دبي هو الذي يهيمن على معظم القيادات في هذه الدول وإنما هو الاستفراد بالفوز بمعنى الانتصار على حساب الآخر ضمن معادلة الانتصار والهزيمة. يقول البعض ان الرئيس السوري بشار الأسد انتصر و «لعِبَها بإتقان» بما أدى الى بقائه في السلطة وتشرذم المعارضة السورية على ايقاع «القاعدة» وأخواتها – المستورد منها والمحلي. واقع الأمر ان لا فوز ولا انتصار لأية قيادة تشارك في تحويل بلادها الى ساحة حرب على الإرهاب بالنيابة عن روسيا وأميركا وأوروبا وكذلك اسرائيل. لا فوز ولا انتصار لأي زعيم أو قائد يعتبر نفسه رابحاً فيما بلاده تتمزق وشعبه يتشرّد ويُقتَل ويَفقَر. تحوَّل «حزب الله» الى لاعب اقليمي بسبب مشاركته في القتال في أكثر من مكان – بالذات سورية – لا يجعل منه فائزاً طالما افعاله ترتهن أهل بلاده وطالما يجعل من الوطن أداة للآخرين وساحة استقطاب للتطرف وإرهاب «القاعدة» وأمثالها. قيادات الكوابيس لا علاقة لها بالقيادات التي تحقق الأحلام وتُسعِد شعوبها. القيادات الإسلامية صادرت الحريات والأحلام والثورات كما حدث في مصر وليبيا وتونس. القيادات العسكرية على وشك الانتحار إذا مضت بإجراءات قمعية تحجب حق التجمع والتظاهرات. أوكرانيا «لعبتها» جيداً ليس لأن انتماءها الآن الى الحظيرة الروسية سيأتي عليها بالحرية والرخاء بعدما ضخّت موسكو فيها الأموال وتسهيلات الغاز في صفقة أنقذتها من الإفلاس. فازت أوكرانيا لأن قيادتها فاوضت وحصلت على ما يُنقذ بلادها من الانهيار بدلاً من الركض وراء «الاتحاد الأوروبي» وهو يختال متغطرساً رافضاً المعونة، معتبراً أن مجرد فتح أبوابه نعمة للمدعوين الى دخوله. أما روسيا، فإن تحقيق قيادتها الفوز والانتصار تلو الآخر في ساحات الآخرين لم يأتِ عليها بالرضى من شعبها الذي يعاني من إفرازات فساد مستبد وحكم لا يسمح للآخر بالفوز بالحريات. الرئيس الأميركي باراك أوباما قرر ترك مفاتيح القيادة في كثير من بقع العالم للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، معتقداً أن انسحابه من الحروب والأماكن الساخنة سيضمن له سعادة شعبه به وهو ينصب على اصلاح الاقتصاد وفرض برنامجه للتأمين الصحي. لكن أوباما ما زال ينزلق في الاستطلاعات الأميركية ليس فقط بسبب عدم الرضى على سياساته وإنما لأنه وَعَد بقيادة مدهشة ونفّذ بسياسات أدنى اعتيادية من المعتاد. وما فعله بالقيادة الأميركية على الساحة الدولية حصد للولايات المتحدة الكثير من العدائية وخيبة الأمل وانحسار الثقة بها، فانزلقت القيادة الرؤيوية التي أوحى بها وانزلقت معها هيبة الرئاسة الأميركية على السواء.
مع اقتراب انتهاء العام 2013 يمضي عقد كامل على خلع أول الرؤساء العرب الذين اعتقدوا ان ديمومتهم غير قابلة للنقاش. صدّام حسين بطَشَ وكَابَر وانتهى في حفرة اذهلت القادة العرب. خلعه من السلطة أتى عبر قوات أميركية وإعدامه أتى على أيادٍ عراقية. حلمه كان الزعامة الإقليمية فأخذ شعبه الى الحروب وأفقره في بلاد الخير والموارد الطبيعية.
لكن وضع العراق ليس بخير عبر قيادته الجديدة، بل انه يفتقد التماسك وشعبه يتناحر وينقسم مذهبياً. صدام حسين وضع النظام قبل البلاد. رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي يضع الولاء لإيران قبل الانتماء العربي الى العراق. الحرب الأميركية التي خاضها الرئيس السابق جورج دبليو بوش على الإرهاب في العراق قدّمت العراق الى ايران وحذفت العراق من المعادلة الاستراتيجية العربية – الإسرائيلية لمصلحة اسرائيل. شعب العراق ما زال يرقد تحت كابوس تلو الآخر بعدما محت قياداته حقه بالحلم والارتقاء والازدهار.
القيادة الإيرانية في ظل ملالي وثوار الجمهورية الإسلامية أيضاً حجبت عن شعبها متعة الحلم والرخاء. ومهما حصلت عليه من اعجاب بصبرها وإتقانها حنكة التفاوض والكلام المعسول، ان ايران اليوم مكبّلة بالعقوبات الاقتصادية. ايران أُعيدت عقوداً الى الوراء فيما كان في وسعها ان تكون متطوّرة ومنفتحة على العالم برخاء.
لا يكفي التباهي بصنع الصواريخ والطائرات وبالقدرات النووية وبالتوسعية الإقليمية. فهذه قيادة لا تُسعِد شعبها. انها قيادة ثيوقراطية تفرض الدين على الدولة، تخشى حرية مواطنيها، ترفض الإصلاح، تمنع الاحتجاج وتقمع. ومهما تصاعد الاحتفاء الأميركي والغربي عموماً بمؤشرات على خطابها الجديد، فالقيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليست رؤيوية وانتصاراتها لا تشكل فوزاً لشعبها بالحياة ورغد العيش.
الدول العربية الخليجية ليست النموذج البديل طالما ان اصلاحاتها – على أهميتها – تنحصر في الاقتصاد والبناء. هامش الحريات ضيّق جداً في هذه الدول مع اختلاف النسب بينها.
وضع المرأة وحقوقها ومشاركتها في صنع القرار وتبوّؤ المراكز الحكومية في دولة الإمارات العربية والكويت وقطر وعمان والبحرين لا تجد صدىً لها في المملكة العربية السعودية مع ان ادخال المرأة الى مجلس الشورى تطور فائق الأهمية. الشعوب الخليجية تطالب بانفتاح أكبر لكنها لا تعيش الكابوس الذي تعيشه الشعوب العربية الشرق أوسطية لأن العلاقة مع القيادات في المنطقتين تقع على اختلاف جذري وشاسع بينهما.
اليوم، وفي الأمم المتحدة، لكل من عُمان وقطر والإمارات سفيرة هي المندوب الدائم التي تمثّل بلادها في المنظمة الدولية. الكويت كانت السبّاقة بتعيين امرأة في المنصب. عُمان عينت شقيقتين كسفيرتين، احداهما لدى الأمم المتحدة والأخرى لدى واشنطن. لدى البحرين سفيرة في واشنطن.
باستثناء الأردن الذي عيَّن سفيرة له لدى العاصمة الأميركية، يكاد التمثيل النسائي الديبلوماسي في الأمم المتحدة وواشنطن يقتصر على دول مجلس التعاون الخليجي ما عدا المملكة العربية السعودية. هذا مؤشر جيد لدول تتطوّر بنيوياً وتأخذ في حسابها متطلبات خلع رواسب تعرقل مسيرتها.
في تطور لافت قبل أسابيع، دعا حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم الى مشاركة شعبية لإغناء رسم السياسات التي كان وزراؤه ينظرون فيها. أطلق ورشة فكر شعبية شكلت سابقة وأتت نتائجها غزيرة ومثمرة.
هذا النوع من التفكير يكاد يكون كائناً غريباً على صناع القرار في كثير من الدول العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حيث الحق بالمشاركة وبالحلم يبدو مغيّباً عمداً.
نعم، ان الشعب العربي يريد لنفسه دبي وليس دمشق ولا طهران. هذا الشعب يريد ان يعيش حياة طبيعية ووظيفة آمنة وحرية شخصية تحت ظل قوانين تمنع الاستئساد والاعتداء. يريد الاستقرار وليس الفوضى وحروب الزعامة ومعارك بقاء الأنظمة أو استراقها.
محزن جداً ان تكون سورية اليوم موقع أسى على ما آلت اليه عبر «أفغنتها» وتحويلها ساحة الحرب على الإرهاب. مؤلم جداً أن يعاني شعبها من الصقيع في العراء وأن يصل عدد المهجرين والمشردين داخلياً ما يقارب 7 ملايين شخص وعدد ضحايا حربها الى ما يقارب 150 ألفاً. فليس في الأمر فوز أو انتصار.
مرعب جداً أن تنتقل الحرب السورية الى لبنان الهش حيث قياداته المتعددة تنظر الى الفوز بموازين الفائدة الشخصية أو الحزبية، وحيث رجال الحكم فيه لا صلة لهم بفوز للجميع وإنما فقط بمكاسب للفرد وللقبيلة. هذا بلد الأقليات. لا أحد يحق له الهيمنة لا بالإيديولوجية ولا بالسلاح.
قلق الأقليات مفهوم في بلاد فيها أكثرية مهيمنة. أما في لبنان، فلا مكان للأكثرية فيه. انه بلد الأقليات التي يجب أن تدرك ان مكانها ليس فوق بعضها بعضاً وإنما بجانب بعضها بعضاً. فالاستعداد للسعادة لدى اللبنانيين جزء من خامتهم الطبيعية. قياداتهم هي التي تحاول مصادرة هذه الجاهزية للإسعاد كي تبقى متحكمة وحاكمة بالتخويف وباللاإستقرار.
فهنيئاً للشعب الذي يرتاح الى قيادته الإيجابية ويشعر انها تلبي حقه بالسعادة. فليدمها الله نعمة. وعسى ان تنتقل العدوى الى أهل المشرق والمغرب العربي
راغدة درغام/لا فوز لأية قيادة تشارك في تحويل بلادها إلى ساحة حرب
17
المقالة السابقة