سامي حامد/مصر تخطو خطوتها الأولى!!

اقتربت مصر من إنجاز أول خطوة من خطوات خارطة الطريق الثلاث .. انتهت لجنة الخمسين مؤخرا من التصويت على المسودة النهائية للدستور وقام عمرو موسى رئيس اللجنة بتسليم مشروع الدستور الجديد إلى رئيس مصر المؤقت المستشار عدلي منصور تمهيدا لدعوة المصريين للتصويت على الدستور في استفتاء عام سيجري الشهر المقبل لتكون مصر بذلك قد اجتازت أول خطوة من خارطة الطريق، ليتبقى فيما بعد الانتخابات البرلمانية ثم الرئاسية لتنتهي بذلك ثالث مرحلة انتقالية عاشها المصريون وهم يراودهم الأمل في بداياتها ثم يصابوا باليأس والإحباط مع كل نهاية!!
لقد فرح المصريون ـ ما عدا جماعة الإخوان المسلمين وأنصارها بالطبع ـ بالانتهاء من إعداد الدستور وقرب التصويت عليه، أملا في استقرار الأوضاع وعودة الحياة إلى طبيعتها بلا فوضى أو عنف وهي الحياة التي افتقدها المصريون على مدى الأعوام الثلاثة الأخيرة لتبدأ الخطوة الثانية الممثلة في الانتخابات البرلمانية ثم الثالثة والأخيرة “الانتخابات الرئاسية” حتى تكتمل خارطة الطريق ويصبح لمصر دستور ومجلس نيابي ورئيس منتخب بإرادة الشعب، عسى أن تكون تلك هي المرحلة الانتقالية الأخيرة التي تشهدها مصر خاصة وأن أولى خطوات هذه المرحلة متوقع أن يحظى بنسبة تأييد عالية.
لقد حظيت مواد الدستور الجديد على نسبة تصويت عالية من جانب أعضاء لجنة الخمسين، وهناك العديد من المواد حصلت على إجماع الأصوات، بينما بقيت مواد هامشية ثار حولها الجدل الذي لم يرق إلى مستوى الخلاف إلا أنه في الإجمال يعد الدستور الجديد لمصر أفضل بكثير من سابقه الذي لم يحظ بموافقة عاصمة الدولة “القاهرة”، حيث طالت التعديلات الأخيرة ما يزيد على نسبة 90% من مواد دستور 2012، فضلا عن استحداث 42 مادة بالمقارنة مع جميع دساتير مصر السابقة، والأهم من كل ذلك أن الدستور الجديد استطاع أن يحافظ على هوية مصر الإسلامية، وفي نفس الوقت أكد على مدنية الدولة كنظام حكم حيث أوضح في مواده بأن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، كما أشار إلى أن مصر دولة حكمها مدني أو حكومتها مدنية!
والملاحظ في الدستور الجديد أن مواده صيغت صياغة حاسمة وقاطعة تعيد من جديد تنظيم حياة المجتمع التي جرى تخريبها واستشرى فيها الفساد لدرجة التحايل على القوانين وتدمير المؤسسات، حيث تجرم مواد الدستور الجديد كل أشكال التحايل على القانون أو عدم الالتزام به خاصة وأن مصر شهدت من قبل دساتير عظيمة، لكنها كانت في أغلب الأحوال غير ملزمة ولا يتم تطبيق أغلب نصوصها .. ويبدو أنه لهذا السبب تركت لجنة الخمسين شكل النظام الانتخابي لمجلس الشعب في يد الرئيس عدلي منصور لكي يحدده هو، سواء بإجراء الانتخابات بالنظام الفردي أو بنظام القوائم أم بالاثنين معا حتى لا ينص الدستور على نظام انتخابي لا يتم تطبيقه فيما بعد!!
ولعل أهم مواد دستور مصر الجديد هي المادة “54” التي تحظر تأسيس الأحزاب وقيامها على أساس ديني، حيث إن تلك المادة تعالج أكبر الأخطاء التي وقعت خلال المرحلة الانتقالية الأولى حينما سمح المجلس العسكري السابق عقب سقوط نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك بتأسيس الأحزاب الدينية والتي وصل عددها في وقت قياسي إلى 11 حزبا أبرزها حزب الحرية والعدالة الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين الذي تأسس يوم الـ6 من يونيو العام 2011؛ أي بعد خمسة أشهر إلا قليلا من أحداث الـ25 من يناير التي جرت في نفس العام يليه حزب النور السلفي الذي تأسس يوم الـ11 من يونيو؛ أي بعد خمسة أيام فقط من تأسيس “الحرية والعدالة”. فهذه الأحزاب في حاجة الآن إلى توفيق أوضاعها بما يتماشى مع الدستور الجديد، فلا تخلط الدين بالسياسة حتى لا تجد نفسها في يوم من الأيام معرضة للحل بحكم قضائي!!
إن موافقة حزب النور السلفي على مواد الدستور الجديد، بل ودعوة قياداته للمصريين للتصويت بنعم لهذا الدستور أهم إنجازات لجنة الخمسين، ودليل قاطع على أن هذا الدستور يحظى بتأييد أغلبية المصريين من ليبراليين وقوميين ويساريين وإسلاميين وقوى وحركات ثورية أخرى، ما يعني أن هناك توافقا غير مسبوق بين كافة أطياف الشعب بمن فيهم الأقباط الذين هددوا في بادئ الأمر بمقاطعة الاستفتاء على الدستور إذا لم يتضمن “كوتة” لهم في مجلس الشعب .. ورغم خلو الدستور الجديد من أي تمييز إيجابي، سواء للأقباط أو غيرهم إلا أن ممثلي الكنيسة في لجنة الخمسين وافقوا في النهاية وعن قناعة ورضا على المسودة النهائية للدستور، بل وأعلنت الكنائس الثلاث “الأرثوذكسية والكاثوليكية والإنجيلية” تأييدها لدستور مصر الجديد!!
إن أنظار العالم تراقب مصر عن كثب للتأكد من أن خارطة الطريق التي أعلنها القائمون على الحكم ماضية في طريقها كما هو مخطط لها وبأنه لا توجد أي عراقيل تعوق تنفيذ هذه الخارطة .. ويبدو أن هذا الأمر هو ما يقلق جماعة الإخوان المسلمين وتنظيمها الدولي ويجعلهم يحاولون بشتى الطرق عدم إنجاز تلك الخطوة وعرقلتها حتى ولو تطلب الأمر استخدام العنف وإسالة الدماء خاصة وأنهم يعلمون جيدا أن الاستفتاء على الدستور سوف يحظى بتأييد نسبة كبيرة من المصريين تفوق ما حصل عليه دستور العام 2012 الذي حصل على نسبة موافقة بلغت 63,8% فقط، ويكفي أن حزب النور السلفي ثاني أكبر الأحزاب ذات المرجعية الدينية والحليف السابق لجماعة الإخوان أعلن موافقته على الدستور ودعا المصريين إلى التصويت بـ”نعم”!!

سامي حامد كاتب وصحفي مصري
Samyhamed65@yahoo.com

شاهد أيضاً

الأردن مملكة تاريخية لا يؤثر بها المخربون والعابثون* أشرف عودة الله الكيلاني

عروبة الإخباري – منذ نشأة الدولة الأردنية منذ أكثر من قرن، وهي تواجه تحديات كبيرة …

اترك تعليقاً