كلّما قرأت خبراً أو طالعت مقالاً أو دراسة عن حقوق الأقليات فإنني أشعر بخجل مشوب بالاستياء الشديد، وذلك أنني لا أجد مسوّغاً على الإطلاق لتقسيم أبناء الوطن الواحد إلى أقلّيات وأكثريّات، بل إنني أرى في أيّ شخص «ربما يكون مقطوعاً من شجرة» أكبر من كلّ الأكثريات بما يعطيه لوطنه وما يقدّمه من إنجاز علمي أو فكري أو سياسي أو غيره. والحديث عن الأقليات وحقوقها هو حديث مفتعل ربما تقف وراءه أيادٍ وجهاتٌ ليس لها هدف غير تفكيك المجتمع من الداخل وتهيئته للتصادم عندما تحين الفرصة.
إنّ كلّ واحدٍ مّنا، عند اعتماد معايير معدّة بشكل دقيق، يمكن أن يصبح في لحظةٍ ما مصنّفاً ضمن أقليّة أو أكثرية، فما دام كلّ واحد منّا مولوداً في زاوية من زوايا قرية أو حّيٍ ما في مدينة ما وينتمي لفرع محدّد من عشيرة محدّدة، فهو بالنتيجة ينتمي إلى أقليّة، وإذا نظرنا إليه بوصفه إنساناً ينتمي إلى وطن عربي كبير أو قطر عربيّ ويحمل ثقافة الوطن الذي ينتمي إليه ويتمتع بحقوقه ويلتزم بواجباته، فلا يمكن إلاّ أن نصنّفه من ضمن الأكثرية. لذلك فإنّ مسألة تصنيف الفرد أو الجماعة من ضمن الأقليّة أو الأكثرية ترجع إلى المعايير المعتمدة، وهذه المعايير هي صناعة بشرية غالباً ما تقف وراءها المصالح الشخصية أو مصالح جهاتٍ من خارج الوطن.
إنّ الحديث عن الأقليّات والأكثريات داخل الوطن الواحد هو إساءة بالغةٌ للوطن، وتكون الإساءة أكبر إذا صدر هذا الحديث من داخل الوطن، فالأصل في معايير تصنيف المواطنين هو المواطنة والكفاية والتأهيل والتميّز والعطاء وليس أيّ شيء آخر، ما دام الفرد يعيش تحت مظلّة وطن واحد ونظام سياسي واحد ودستور واحد وقوانين واحدة تشمل جميع من ينضوي تحتها بلا أي تمييز.
وبدلاً من المطالبة بحقوق مكوّنٍ من مكوّنات المجتمع ووصفه بأنه «أقليّة» فإنه ينبغي المطالبة بحقوق المواطنين كافّة وتحقيق العدالة والمساواة بينهم، فقد يكون المظلوم أحياناً ممّن يصنّفون أنهم الأكثرية، كما قد يكون صاحب الحظوة أحياناً ممّن يصنّفون بأنّهم أقليّة.
إنّ الذين ينادون بحقوق الأقليّات في البلدان العربية هم من الدول الكبرى ومن المنظمات الدولية، والله أعلم بما يبطنون، وهذه الدول ذاتها لا تتعامل مع مواطنيها بصفتهم أبناء أقليّات أو أكثريّات، بل تتعامل معهم بوصفهم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. وهذا ما نحن في أمسّ الحاجة إليه، وهو أن نلغي من اعتباراتنا أن مجتمعنا مؤلف من أقليات وغير أقليّات، وأن نعدّل جميع القوانين والتشريعات والإجراءات التي تعتمد مثل هذا التصنيف، وأن تكون الكفاءة هي أساس أي مفاضلة وتمايز بين المواطنين، وفي مقابل ذلك لا بدّ من اعتماد ما جرت عليه الدول المتقدّمة في تشريعاتها من اعتبار التمييز جريمة يعاقب عليها القانون.
salahjarrar@hotmail.com
أ.د صلاح جرار/أسطوانة الأقليّات والأكثريات
21
المقالة السابقة