ثمة ترقب لأن تتحول القمة الخليجية الرابعة والثلاثون التي ستستضيفها الكويت غدا الثلاثاء إلى قمة تذليل الصعوبات التي ما زالت تعرقل مسار العمل المشترك وصولا إلى مرحلة الاتحاد إلى نص عليها ميثاق تأسيس مجلس التعاون والذي حظي بدفعة قوية في ضوء المقترح الذي قدمه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في قمة الرياض الثانية والثلاثين قبل عامين خاصة مع ارتفاع سقف الطموحات الشعبية في تعزيز الوحدة بين دول منظومة مجلس التعاون واتخاذ المزيد من خطوات التكامل الاقتصادي والتنمية البشرية.
ولعل من أهم التوقعات أن تضيف هذه القمة مكاسب جديدة لصالح مواطني دول المجلس ذلك أن قادة دول المجلس سيولون خلال فعاليات القمة أهمية استثنائية لتعميق المواطنة الخليجية والأمن والاستقرار وتفعيل التكامل الاقتصادي بين دول المجلس لارتباطها بحياة المواطن الخليجي ومعيشته وذلك قناعة منهم بأن العمل الخليجي المشترك يتعين أن يقود إلى مزيد من التعاون والترابط والتكامل
ويجمع المراقبون على أن المرحلة القادمة من مسيرة التعاون الخليجي، واعدة بالمزيد من المُنجزات؛ تتويجًا لما تشهده حاليًا من مشاريع استراتيجية ترمي إلى تعميق التكامل، خاصة في المجالات التي تخدم الإنسان الخليجي بالدرجة الأولى وتحقق تطلعاته لاسيما أن ما تحقق حتى الآن على هذا الصعيد يقترب من نسبة 92 في المائة من إجمالي قرارات العمل الخليجي المشترك وفق ما أعلنه قبل أيام خالد الجار الله وكيل وزارة الخارجية الكويتي
ولاشك أنه منذ تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي في عام 1981، تحققت إلى حد كبير العديد من التحولات المهمة على هذا الصعيد رغم تشعب الرؤى السياسية واختلافها، و طغيان المشكلات الأمنية كثيرًا على غيرها من جوانب التعاون غير الأمنية التي يمكن أن تحقق مكاسب ملموسة للمواطنين الخليجيين.
ولكن في ظل الاضطرابات السياسية الراهنة في منطقة الشرق الأوسط، يبدو جلياً أن ينبغي على القيادات الخليجية – وفقا لرؤية بعض المتخصصين- أن تسعى بمزيد من الجدية إلى تلبية احتياجات المواطنين والمقيمين في المنطقة لاسيما أن الدول الأعضاء الست في مجلس التعاون الخليجي تواجه مجموعة من التحديات الداخلية المشتركة إضافة إلى المخاطر الخارجية. فكل الدول الأعضاء تعاني من الاعتماد على الأنشطة المرتبطة بالمواد الهيدروكربونية وتضخم القطاع الحكومي والاعتماد على استيراد العمالة والمواد الغذائية الأساسية.
وفي ضوء ذلك تتطلع جميع الدول الخليجية إلى تنويع اقتصاداتها والتشجيع على العمل في القطاع الخاص، وذلك استباقًا لنضوب الاحتياطات الإقليمية من الطاقة وللتكيف مع العدد المتزايد من سكانها تخفي أرقام البطالة المنخفضة معدلات أعلى بكثير من المواطنين الخليجيين الشباب الذين لا يجدون عملا وإضافة المزيد من الوظائف إلى القطاع الحكومي المتضخم بالفعل ليس حلا واقعيًا على المدى الطويل.
ويمكن أن يكون تعظيم التعاون بين دول الخليج وسيلة فعالة للإسهام في تلبية هذه الاحتياجات. فمن الممكن أن يقدم مجلس التعاون لدول الخليج العربية مزايا عملية للمواطنين والمقيمين في الخليج في مجالات المواصلات والتوظيف والاتصالات والتعليم والتدريب والأمن الغذائي والمائي.
وقد تم إطلاق اتحاد جمركي خليجي للمرة الأولى لفترة انتقالية مدتها ثلاث سنوات وذلك في عام 2003؛ سعيا لفرض تعريفة دخول واحدة مشتركة على البضائع التي تدخل دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك رفع كافة التعريفات الجمركية عن البضائع التي تنتقل فيما بين دول مجلس التعاون. وقد تسببت المشكلات المتعلقة بالإيرادات والحمائية العامة في تأجيل تفعيل الاتحاد وجعله واقعًا وبات ذلك مرهونا بنجاح الفترة الزمنية الجديدة التي منحت لتفعيله في عام 2015.
وفي قمة مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عُقدت في الدوحة عام 2007، اعتزم المجلس تأسيس سوق خليجية مشتركة من شأنها أن تزيد العوائق الإدارية والتنظيمية التي تقف حجر عثرة أمام التجارة الإقليمية. لكنه لم يُنفذ المشروع بشكل كامل إلى الآن، كما أن المكاسب المرتبطة بهذه السوق فيما يتعلق بقطاع الأعمال والعمل الحر لم تتحقق.
وقد تباطأت خطة تأسيس اتحاد نقدي خليجي لاسيما مع انسحاب سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة من خطة تبني عملة مشتركة في عامي 2006 و2009 على الترتيب ولكن في عام 2009، وقع وزراء خارجية البحرين والكويت وقطر والمملكة العربية السعودية اتفاقية الاتحاد النقدي والنظام الأساسي للمجلس النقدي، كخطوة تسبق تأسيس مصرف مركزي لدول مجلس التعاون. بيْد أنه منذ ذلك الحين لم يتحقق الكثير من التقدم.
وقد أعلن عن مشروع للسكك الحديدية يربط بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي في القمة الرابعة والعشرين لمجلس التعاون في عام 2003، لكن المشروع تأجل مرارًا نتيجة لخضوعه لدراسات مكثفة ما زالت مستمرة.
ويرى معظم المراقبين أن الوصول إلى مرحلة الاتحاد الخليجي من شأنها أن تحد الكثير من المعوقات وتدفع إلى المزيد من التفاعل وتنفيذ الخطط والتصورات المؤجلة لتحقيق نقلة نوعية في منظومة مجلس التعاون الذي ولد ليبقى – وفقا لتعبير عبد الرحمن بن حمد العطية الأمين العام السابق للمجلس – وبالتأكيد ستكون خلاصة الدراسة التي شكلتها قمة البحرين في العام المنصرم على جدول أعمال قمة الكويت ولكن من غير المنتظر أن يصدر قرار نهائى باعتماد خيار الاتحاد وهو أمر مرشح للمزيد من الدراسة خاصة في ظل تحفظات تبديها بعض الأطراف الخليجية رغم أن “الاتحاد المقترح لن يستلزم تصفية أي من الدول الأعضاء في مجلس التعاون أو إلى يقود إلى رئاسة مشتركة أو علم واحد، بل إنه سيعمل باعتباره اتحادًا كونفدراليًا يضع سياسة مشتركة فيما يتعلق بالاقتصاد والعلاقات الخارجية والدفاع
وينظر إلى هذا الاتحاد باعتباره وسيلة لإنهاء اعتماد الخليج على مورد سرعان ما سينضب وعلى مظلة أمنية غربية، لا سيما أن اعتماد الولايات المتحدة الأمريكية على الخليج فيما يتعلق بسد احتياجاتها من الطاقة يتراجع.
وعلى المدى المتوسط، يمكن أن نرى مجلس التعاون الخليجي ذا طبقتين، والذي يتواجد فيه اتحاد على أساس ثنائي أو ثلاثي الجوانب، لكن تحقيق شيء أكثر أهمية سوف يتطلب تنازلات وتضحيات من كافة الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي.
لكن هذه المناقشات تبعد كثيرًا عن التجربة التي يعيشها شعب الخليج، فالقضايا التي ترتبط بمسألة إجماع دول مجلس التعاون الخليجي ليست نظرية فحسب؛ لكنها يجب أن تتمركز حول تحقيق مكاسب ملموسة لمواطني دول الخليج والمقيمين فيها. في الوقت الحالي معدلات النمو مرتفعة لكنها مدفوعة بأسواق الطاقة العالمية القوية.
فليس هناك من شيء يضمن أن تستمر إيرادات المواد الهيدروكربونية في إتاحة الفرصة أمام الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي من الهروب من الواقع الاقتصادي، لا سيما مع ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب، وهناك بعض الدول التي تواجه عجزًا في ميزانيتها بالفعل أو على شفا مواجهتها. وبالنظر إلى المستقبل، تحتاج الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي إلى إعادة التفكير في هياكل المجلس خصوصًا تأكيده على النزعة الحكومية الإقليمية واعتماده على صيغة الإجماع في صنع قراراته. ولاشك أن مجلس التعاون الخليجي يحتاج إلى نموذج أكثر قابلية للحياة والتطبيق يخدم مصالح شعب الخليج. لكنه إذا كانت الدول الأعضاء في المجلس تستطيع التغلب على انقسامات الماضي والتنسيق فيما بينها بشأن التحسينات العملية التي يمكن إدخالها على مستوى الحياة في منطقة الخليج، فإن هذه الدول مجتمعة يمكنها أن تصبح قوة مؤثرة في عملية التنمية في المنطقة.