تحدث وزير الخارجية الأميركي جون كيري، بعد زيارته الأخيرة لإسرائيل وأراضي السلطة الوطنية الفلسطينية ومحادثاته مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ورئيس السلطة محمود عباس، عن تقدُّم ما في المحادثات التي بدأها الطرفان قبل أشهر بعد مساع اميركية حثيثة، والتي يفترض أن تنتهي المدة المحددة لها قريباً. ويشكُّ كثيرون في أن تكون نهايتها اتفاقاً جدياً بينهما على تسوية نهائية لصراعهما المزمن والدامي، بل على “اتفاق – اطار” على الأقل كما كان يأمل الرعاة الاميركيون. وهم يخشون أن يعيد فشلهما المفاوضات إلى حال الجمود والشلل التي سيطرت عليها في السنوات الماضية، وأن يتسبب ذلك بتدهور جديد على الأرض، قد تكون له مضاعفات سلبية جداً على الجميع. لكنهم يتساءلون إذا كان كيري مقتنعاً بأن المفاوضات المباشرة ستنتهي الى نتيجة إيجابية، وخصوصاً في ظل انهيار النظام الاقليمي الذي ساد المنطقة قرابة قرن من الزمن، والانهيار التدريجي والمريع في الوقت نفسه لدولها وللأنظمة الحاكمة فيها.
هل من جواب عن التساؤل هذا؟
يجيب باحث يهودي أميركي نشط من زمان في أوساط يهود بلاده ومنظماتهم بغية حماية دولة إسرائيل، ثم انتقل الى معسكر السلام بعد تأسيسه، ولاحقاً الى نادي اليائسين من رغبة اسرائيل في تسوية سلمية عادلة أو معقولة مع الفلسطينيين، وتالياً إلى منتقد لاذع لمسؤوليها وفي مقدمهم بنيامين نتنياهو، يجيب بالقول ان أحداً من القريبين من كيري ومن متابعي مسيرته في خدمة الأمة الأميركية لا يجرؤ على الاستخفاف بذكائه وقدراته الديبلوماسية أو بالأحرى على التقليل منها. لكن لا أحد من متابعي الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني المطلعين على تفاصيله ودقائقه يستطيع أن يؤمن أو أن يقتنع بأن عملية التفاوض التي نجح كيري في إعادة إطلاقها قبل اشهر رغم كل الصعوبات والمعاكسات قابلة للنجاح. ولا يعود ذلك في رأيه إلى استعصاء الصراع المذكور على الحل كما صار يعتقد الجميع، بل إلى الهدف الاستراتيجي الذي صمَّم نتنياهو من زمان على تحقيقه، كما معظم الرؤساء السابقين للدولة أو للحكومة في إسرائيل، وهو السيطرة التامة على كل أرض فلسطين. ولهذا السبب رفض نتنياهو اقتراح كيري العودة إلى التفاوض انطلاقاً من قبوله ان تكون الحدود الدولية لبلاده، أي حدود عام 1967، نقطة البداية في المفاوضات، كما رفض اقتراحه تجميد الاستيطان.
إلى ذلك يعتبر الباحث اليهودي الاميركي نفسه أن مطالبة نتنياهو رئيس السلطة الفلسطينية عباس بالاعتراف علانية باسرائيل دولة لليهود ينطوي على خبث كبير. إذ إن عباس قد يقبل التحدي ويعلن ذلك. إلا أن نتنياهو لن يعلن في المقابل ان فلسطين هي دولة الشعب الفلسطيني. فضلاً عن انه يعطي الحق لنفسه في مطالبة عباس بقبول ضم اراضٍ فلسطينية صادرتها اسرائيل في حرب 1967 الى اسرائيل، ويرفض أن يعطي عباس أو فلسطينييه الحق في مصادرة أراض من اسرائيل 48 لضمها الى دولتهم.
في اختصار، يعتقد هذا اليهودي الاميركي ان المستقبل قاتم في اسرائيل وفلسطين. فاستمرار تعنت نتنياهو إلى رياء غالبية الزعامات الاسرائيلية سيؤدي الى انتفاضة جديدة دامية تؤذي الشعبين. وستؤدي لاحقاً الى “اسرائيل الكبرى” بفعل الأمر الواقع، وهذه الاسرائيل ستقضي على حلم اليهود بدولة لهم في فلسطين. اذ سيصبح العرب الفلسطينيون اكثرية فيها بعد عقود، وسيعودون اقلية ولن يتمكنوامن استمرار فرض سيطرتهم وبالسلاح على الأكثرية إلى الأبد.
هذا أمر يشارك في الاقتناع به يوري أفنيري المواطن الاسرائيلي الذي بلغ التسعين من عمره، والذي نشط منذ ثمانينات القرن الماضي بين دولته والزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بغية ايجاد تسوية أو حلول. فهو قال رداً على سؤال لمناسبة عيد مولده الـ90، إن إسرائيل قد تعيش 90 سنة أخرى، لكن سأل: أي إسرائيل؟ واجاب: سنصبح دولة عنصرية تحكم اقليتها اليهودية الغالبية الشعبية الفلسطينية في اراضي 1948 كما 1967. وستقع الكارثة بالتدريج. وسيزداد الضغط على اسرائيل وستضطر إلى إعطاء حقوق مدنية أكبر للفلسطينيين. وسنصبح في النهاية دولة ذات غالبية شعبية عربية.
وهو أمر دفع الدكتور هنري سيغمان الباحث اليهودي الاميركي الناشط إلى القول: كم هو محزن أن يعجز شعب حصل عدد مهم من ابنائه على “جائزة نوبل” عن ادراك الحقيقة في موضوع الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني.