ذكّرت إسرائيل الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله بوجودها وباستمرار ملاحقتها قادة الحزب ونشاطاته، باغتيالها القيادي في الحزب حسان اللقيس ليل الثلثاء – الأربعاء الماضي.
فالحزب منشغل عنها وعن خططها لاستهداف قادته وبنيته العسكرية، بالقتال في سورية، بل هو بات يبرر غرقه في «المستنقع» الدموي السوري والخسائر التي يتعرض لها وتضحيات مقاتليه ومناضليه، بافتعال مواجهة مع إسرائيل هناك، للإبقاء على تعبئة جمهوره في تلك المواجهة العبثية التي يخوضها، وسيلة لإقناع هذا الجمهور بأحقية الدفاع عن نظام الرئيس السوري بشار الاسد.
وواقع الأمر أنه على رغم ارتياح إسرائيل الى استنزاف الحزب وإيران في سورية ومعهما سائر القوى الإسلامية المتطرفة الخصمة لهما والتي تتوجس تل أبيب ومعها أميركا من أن يكون هؤلاء بديلاً للنظام، فإنها لا تكتفي بذلك، بل هي تواصل تركيز نشاطها على ملاحقة قادة الحزب لاغتيال من تستطيع منهم. ولربما أنها التقطت حالة من الاسترخاء حيالها، ومن الالتهاء عنها، لدى الحزب، سمحت بثغرات يستفاد منها لأجل تنفيذ اغتيال اللقيس وتصفيته. ولا يحتاج الأمر الى كبير عناء لاكتشاف مدى الانصراف لدى الحزب عن همّ مواجهة إسرائيل طالما أن السيد نصرالله نفسه اعتبر – كما قال – أن مشاركة حزبه في القتال في سورية لها شعبية وقبول لدى الرأي العام العربي أكبر بكثير من التأييد الذي حصدته المقاومة ضد إسرائيل بين العام 1982 وصولاً الى 2006.
وفضلاً عن أن هذا الاستنتاج مدعاة للاستغراب، فإنه وهم سعى الى إقناع نفسه وجمهوره به، ويشكل دليلاً آخر على أن الحاجة الى تطويع الوقائع تفرضها الأولوية الجديدة التي تطغى على أي شيء آخر في خطط الحزب واهتماماته، وهي إنقاذ نظام الأسد بغض النظر عما يرتبه ذلك من انصراف عن مقتضيات المواجهة مع إسرائيل. صحيح أن نصرالله أكد في خطبه العاشورائية منتصف الشهر الماضي على دور المقاومة في مواجهة العدو، وعلى القضية الفلسطينية، إلا أنه في مقابلته التلفزيونية الطويلة ليل الثلثاء، قبل ساعتين من اغتيال اللقيس، لم يأت على ذكر إسرائيل ومقاومتها مرة واحدة. كانت سورية هي المحور والموضوع، كذلك ما يحيط بتلك المواجهة التي يخوضها هناك بالتحالف مع إيران. وكان همّه إقناع المشاهدين بانتصاره وحلفائه، لمجرد أنه نجح عبر القتال في سورية في منع سقوط نظام الأسد، وبفشل الآخرين في خططهم ضده. وكان تركيزه على تظهير التفاهمات الدولية، لا سيما مع إيران، على أن الأخيرة خرجت منها الدولة الأقوى في المنطقة، إذا أضيف إليها النجاح في منع سقوط الأسد، ثم على «غضب» المملكة العربية السعودية من بعض هذه التفاهمات.
يستعجل «حزب الله» استثمار بداية التحولات الإقليمية والإفادة منها لحصد ثمار اشتراكه في القتال في سورية، إما لأنه يغفل عن أن الحرب على أرضها كرّ وفرّ، يحتمل أن يبدّل من اللحظة الراهنة على صعيد موقع النظام الذي يتمسك به، أو لأنه يدرك ذلك بوضوح ولا يريد احتساب موقعه، بعد أن تتبدل الموازين مرة أخرى. أما على صعيد التفاهمات الدولية مع إيران فمن حقه أن يخشى من أن تقود الى تنازلات تشمل الدور الإقليمي لطهران تصعّب على الحزب أن يعكس فائض القوة الإيراني في مواقع النفوذ المحلية.
فالسيد نصرالله يعيب على خصومه أنهم يسعون الى الإفادة من الوقت لتعديل الواقع العسكري في سورية، والذي أفاد منه الأسد في الأشهر الثلاثة الماضية، قبل عقد مؤتمر «جنيف – 2» في 22 كانون الثاني (يناير) المقبل، متناسياً أن جُل ما يفعله هو والقيادة الإيرانية والنظام السوري، هو الإفادة من الوقت الفاصل عن استحقاق المؤتمر، لاستعادة المزيد من المناطق التي كانت سيطرت عليها المعارضة، واستغلال انقساماتها لتغليب دور التكفيريين على موقع «الجيش السوري الحر» والمعارضة المعتدلة، قبل أن تتوصل موسكو وواشنطن الى صيغة انتقالية للحكم ترسم معالم الحل السياسي.
بات «حزب الله» يعيش اللحظة الراهنة، وسط الشطط عن اهتمامه الاستراتيجي الإسرائيلي الذي يكون عادة مرتاحاً أكثر في التعاطي معه. ولا شك في أنها لحظة مقلقة له قد تنقله الى حافة الغضب إذا صح ما يقال عن أن مواقفه الأخيرة، هي انعكاس لتبادل الضغوط في إيران نفسها، بين «الحرس الثوري» وبين الجهاز الحكومي برئاسة الرئيس حسن روحاني، حول التسويات الإقليمية والمدى الذي يجب أن تذهب طهران في السعي إليها.
وليد شقير/قلق نصرالله
17
المقالة السابقة