شاءت الجغرافيا ان يكون لبنان من البلدان المجاورة لسورية ومقصد السوريين الذين يتمكنون من الفرار اليه من آلة القتل النظامية. فلجأ الى لبنان السوريون الهاربون من المناطق الحدودية الغربية لبلدهم، والتي تشهد أعنف الاشتباكات بفعل نية النظام، والميليشيات الشيعية الداعمة له، ضمان الخط بين دمشق والساحل السوري واستمرار التواصل بين هذا الخط والمناطق اللبنانية الشرقية، خصوصاً في البقاع، ذات الاكثرية الشيعية التي ترفد «حزب الله» بالمقاتلين، ومنهم من يقاتل في المنطقة المذكورة.
وفي هذا المعنى، يأتي تعامل اللبنانيين مع السوريين النازحين اليه وفق هذه المعادلة التي تسحب نفسها على الانقسام المذهبي في لبنان. فيكون النازحون موضع ترحيب في منطقة يتوافقون معها مذهبياً وغير مرحب بهم في منطقة لا يتوافقون معها. لكن هذا التطابق لا تتوافر ظروفه دائماً، فيضطر النازحون الى وضع رحالهم في اي مكان.
تكشف هذه المسيرة للنازحين قلة الحيلة في يدي المؤسسات الرسمية اللبنانية غير القادرة، مادياً على الاقل، على توفير مخيمات تتضمن الحد الادنى من مقومات العيش. وتكشف في الوقت نفسه العجز الدولي عن الوفاء بالتزامات ازاء النازحين والفارين من الحروب والذين تحميهم القوانين الدولية. وهذا ما يتساوى فيه لبنان مع غيره من بلدان اللجوء، خصوصاً الاردن.
وقد يكون مفهوماً ان تعاني بعض مناطق ومخيمات اللاجئين في لبنان الاهمال، نتيجة قلة الموارد سواء للهيئات الرسمية او الجمعيات غير الحكومية، وعدم القدرة على اقامة البنية التحتية الضرورية لاستيعاب الاعداد المتزادة يومياً من اللاجئين. وقد يكون مفهوماً ان ينزعج مواطنون من وجود مخيم للنازحين في جوارهم، مع ما يؤدي اليه ذلك من سوء تفاهم وإشكالات.
لكن أن يتعرض مخيم لهجوم أهلي منظم وإحراق الخيم وطرد من فيها، فهذا ما يؤكد ليس فقط حجم مأساة اللاجئين وانما ايضاً صورتهم السلبية جداً لدى من لا يتوافقون معهم مذهبياً. وما حصل قبل يومين لمخيم لنازحين سوريين يقع بين بلدتي تمنين وقصرنبا، في البقاع، واللتين ترفدان «حزب الله» بالمقاتلين، ومنهم من يقاتل حالياً في الداخل السوري، يظهر مدى العداء المذهبي الكامن.
فتهمة الاغتصاب الملفقة او الرغبة في استرداد الارض حيث أقيم المخيم لا تصمدان امام اي تدقيق. كما انه في كل الحالات لا يحق لجماعة ما الحكم على النازحين وتنفيذ الحكم بأيدي أفرادها. يبقى ان تلفيق تهمة شائنة في بيئة شيعية لنازحين سُنّة، والمشاركة الجماعية في الترويج والانتقام، يعني ان الكره المتبادل بات آلية جماعية في التعامل مع الآخر المختلف مذهبياً.
القضية تتجاوز هنا البعد الاخلاقي في التعامل مع مأساة انسانية يعانيها فارون من القتل. انها تتعلق بالصورة التي يمكن ان تلصق بخصم لمجرد اختلافه مذهبياً. ولتهمة الاغتصاب معنى رمزي يعني ان مجرد التجاور بات اعتداء. ولصد هذا الاعتداء ينبغي منع هذا التجاور والغاء الآخر، سواء بقتله او طرده.
وتأخذ عملية طرد النازحين السوريين من مخيمهم بين بلدتي تمنين وقصرنبا، بعدها اللبناني الكامل مع الانقسام العمودي المتزايد الاتساع، وفي ظل استمرار القتال المذهبي المعلن تارة والكامن طوراً في مدينة طرابلس الشمالية حيث التجاور المذهبي هو ايضاً بات سبباً للاقتتال.