رغم الشوط الكبير الذي قطعه تنفيذ «خريطة الطريق» في مصر، لم يزل الوضع العام عرضة للمفاجآت. خصوصاً ان كيفية التنفيذ تستعدي أعداداً متزايدة من المصريين. لقد تحرك الملايين في الشوارع المصرية، وأيدوا تحرك الجيش لعزل الرئيس محمد مرسي في مطلع تموز (يوليو) الماضي، من اجل قطع الطريق على اي منحى ديكتاتوري للحكم. وذلك بعدما نزلوا الى الشوارع من اجل التخلص من حكم الاستبداد الذي سبقه.
ويبدو ان القيمين على المرحلة الانتقالية يتجاهلون هذه الحقيقة التي باتت تشكل بديهة في الوضع المصري الراهن. ومن هنا احتمال المفاجآت، لأن لا احد يضمن اتجاه ردود الفعل على ما تقدم عليه السلطات الانتقالية في معالجة قضايا الديموقراطية والحريات السياسية والشخصية.
وكما سقطت في ظل حكم الرئيس السابق حسني مبارك ذرائع مكافحة الارهاب للاستمرار في قوانين الطوارئ والحد من الحريات العامة، لم تصمد بعد الآن مبررات مواجهة «الاخوان المسلمين» من اجل لجم الحريات.
دأبت جماعة «الاخوان»، منذ فوزها الانتخابي، على إفراغ الاقتراع الشعبي من مضمونه كآلية حكم لتحوله منصة للاستيلاء على السلطة على نحو لا رجعة فيه. لكن هذه الممارسة التي يُدان «الاخوان» من اجلها لا يمكن ان تتحول بدورها مبرراً لمعاقبة المصريين وحرمانهم من حقوقهم المدنية والسياسية.
اكتسبت «خريطة الطريق» رصيداً اكيداً باختيار المستشار عدلي منصور رئيساً انتقالياً، بصفته رئيس المحكمة الدستورية العليا. ما كان يُفترض ان يوفر ضمانة لتطابق الدستور والقوانين مع اهداف تحرك الشعب المصري، خصوصاً لجهة احترام الحقوق المدنية والسياسية، ومنها حق إبداء الرأي والتظاهر، من جهة. ومن جهة اخرى، إخضاع مؤسسات الدولة، بما فيها المؤسسة العسكرية، لرقابة السلطة المدنية المنتخبة.
لكن «خريطة الطريق» حكمها هاجس مواجهة «الاخوان» اكثر من كونها مرحلة انتقالية الى حكم مدني وديموقراطي. فجاءت الثغرات والانزلاقات في تطبيق قوانين منع التظاهر، على نحو وضع الحكم الانتقالي في مواجهة شريحة واسعة من الحركة الشبابية والحقوقية، وليس في مواجهة التيار المؤيد لـ «الاخوان» فقط.
لقد خسر القيمون على المرحلة الانتقالية، خصوصاً وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي، قسماً كبيراً من الرصيد السياسي الذي اكتسبوه من خلال استجابة مطالب إنهاء حكم «الاخوان» ووضع «خريطة طريق» تؤدي الى انتقال سلمي للحكم الى سلطة منتخبة، مع مراعاة الحقوق السياسية والحريات العامة للجميع. وجاءت هذه الخسارة نتيجة حساب خاطئ يعتبر ان التأييد الشعبي لعزل حكم «الاخوان» والرغبة الشديدة في الاستقرار سيحملان المصريين على الموافقة على دستور وقوانين مقيدة للحريات والحقوق، ومنها حق التظاهر. وتضاعفت الخسارة من خلال اعتبار ان المعالجة القضائية الصارمة سبيل من اجل وضع حد لحركة التظاهر «الاخوانية».
اي ان الحكم الانتقالي اعتبر ان المعالجة الامنية والقضائية هي السبيل الى انهاء الحركة الاحتجاجية لـ «الاخوان»، فعمد الى سن تشريعات تطاول حقوق جميع المصريين، وليس انصار التيار المناهض للمرحلة الانتقالية فحسب.
ان هذا النهج لا يوفر معالجة سليمة لقضية «الاخوان» التي تبقى قضية سياسية تحتاج الى معالجات سياسية وليس امنية وقضائية فقط. لا بل يؤشر الى احتمال الانزلاق الى الاعتداء الصريح على حقوق الانسان عموماً، بعدما تعرض لحقوق الطفل من خلال محاكمات وأحكام قاسية على فتيات قاصرات بذريعة التظاهر دعماً لـ «الاخوان» في الاسكندرية. وتوفر مثل هذه المحاكمات التعسفية لـ «الاخوان» موجة تعاطف، بدل محاصرتها وعزلها كما اراد الحكم الانتقالي.
كما ينطوي هذا النهج على اخطار التأسيس لاستبداد جديد، تستشعره الحركة الشبابية والتيارات المدنية التي تتحرك حالياً في الشارع. وتصبح الشبهات والظنون بمثابة حقائق ستنعكس على العلاقة بين هذا الشارع والحكم الانتقالي
عبدالله اسكندر/مطبات في «خريطة الطريق»
12
المقالة السابقة