الحديث عن فتح صفحة جديدة في العلاقات التركية – الايرانية أمر مفهوم بين بلدين جارين ولو كانا ينخرطان تاريخياً في التقاتل على “الملعب العربي”، باعتبار ان انقرة تنام على احلام بعث الامبراطورية العثمانية بلباس معاصر، وان طهران تستيقظ على طموحات احياء قورش من مشهد الى بلاد الشام.
لكن قياساً بموقفي البلدين المتصادمين في سوريا ليس مفهوماً على الاطلاق ان يقف احمد داود اوغلو في العاصمة الايرانية الى جانب محمد جواد ظريف، ليعلنا انهما اجريا محادثات ايجابية حول الازمة السورية وتوصلا الى “توافق تام على حل الازمة ووقف شلال الدم”!
ليس من الواضح ما هو هذا التوافق ولا ما هي خريطة الطريق لتنفيذ هذا الاعلان، الذي بدا لافتاً لسبب وجيه هو انه يصدر عشية الذهاب الى “جنيف – ٢ “، وإن كان من غير المؤكد ان هذا المؤتمر سيعقد فعلاً . لكن الامور لا تحتاج الى خرائط إذ يكفي ان توقف ايران دعمها العسكري للنظام ودفع اذرعها اللبنانية والعراقية الى الانسحاب من سوريا، لكي تنتهي الازمة التي حوّلت سوريا ساحة لصراع مفتوح اشتبك فيه الاتراك والايرانيون ومرّغ فيه الروسي الاميركيين بالوحول!
ليس واضحاً ايضاً ما معنى كلام انقرة عن ان ايران هي التي اقتربت من الموقف التركي وليست تركيا هي التي تذهب الى الموقف الايراني، فمن المعروف ان تركيا تدعم المعارضة ضد الاسد، وإن كانت تنزعج الآن من نشاط تنظيمات اسلامية متطرفة على حدودها، بينما تقاتل ايران صراحة في المتاريس الى جانب النظام، في ظل اعلانات ايرانية وصلت الى حد تصنيف سوريا المقاطعة الايرانية الرقم ٣٥.
مثير ان تصدر الدعوة الى وقف للنار في سوريا من المنبر الايراني، في حين تستطيع طهران ان تقرن هذا القول بالفعل، أما الحديث عن “التزام البلدين التعاون التام لحل الازمة” فانه يحتاج فعلاً الى ترجمة مفهومة، وخصوصاً في ظل حرص اوغلو على التوضيح ان تركيا لا تجري مقايضة مع ايران حول الملف السوري، فهل هذا يعني ضمناً ان ايران اجرت مقايضة نووية مع اميركا ودول الغرب حول الملف السوري، وانها اختارت البوابة التركية للبدء بالكشف عن جوانب هذه المقايضة، وبما يساعد في “جنيف – ٢” عن طريق ممارسات ايرانية منتظرة تجاه النظام وتركية تجاه المعارضة ؟
على رغم مراهنة انقرة على دور ايران في فتح الابواب العراقية امامها، كان غاية في الاثارة اعلان اوغلو ان “ايران ضمان لاستقرار المنطقة”، وهو ما يتناقض كلياً مع سياسات التدخل الايرانية ومحاولات اثارة الفوضى والقلاقل التي تشكو منها الدول الخليجية والعربية… لكنه زمن الامبراطوريات الغاربة وإن استيقظت الاوهام عند خصوم الأمس واليوم!