تشعر إيران بالانتصار. الإيرانيون الذين أسرعوا إلى مطار مهراباد للترحيب بالوزير محمد جواد ظريف والوفد المفاوض العائد من جنيف كانوا يدركون القيمة الحقيقية للصفقة التي أهداهم إياها «الشيطان الأكبر». إعادة إنعاش الاقتصاد الإيراني وتحريك عملته صعوداً. وضع إيران على طريق إنهاء الحصار المفروض عليها، مع ما يُنتظر أن يعقب ذلك من تسويات لعلاقاتها مع الدول الغربية، التي قاطعت الجمهورية الإسلامية منذ الثورة. الاعتراف بصدق الرواية الإيرانية عن البرنامج النووي «السلمي»، ومنحها الفرصة لتثبت ذلك، على رغم النشاط السري الذي رافق تطوير هذا البرنامج على مدى عشر سنوات، والذي كان يتم الكشف دائماً عن مختلف مراحله من مصادر معارضة أو غربية، وعلى رغم النفي الإيراني الرسمي.
إيران تشعر بالانتصار. يقول قادتها وأنصارها في المنطقة: لقد أثبتنا أن الغرب بحاجة إلينا. هم الذين أسرعوا إلى مهادنتنا والتفاوض معنا. موقفنا الثابت على مدى عقد من الزمن أرغمهم على الهزيمة والتراجع أمام مواقفنا الصلبة. لقد اقتنع الغرب أخيراً أن سياسة العقوبات والضغوط لا تجدي معنا. اثبت الغرب أيضاًً أنه لا يخاف ولا يتفاوض إلا مع الأقوياء.
هذا الشعور بالنصر الإيراني يعزز مخاوف أهل المنطقة مما هو آت وما يمكن أن يكون أخطر من صفقة «النووي». فمثلما أعاد «الكيماوي» السوري غطاء الشرعية إلى نظام بشار الأسد ومدّه بعمر جديد، ها هو «النووي» الإيراني يحيي مجدداً النظام المتهالك في طهران تحت ضغط أزمته الاقتصادية. ومثلما كان «الكيماوي» السوري معداً للمقايضة عند أول قارعة طريق، هكذا أثبت الإيرانيون أن ما كانوا يزعمونه من رفض للقبول بمستوى لعمليات التخصيب تحت النسبة التي يريدونها، هو أيضاً قابل للمساومة، إذا كان المقابل هو إعطاء النظام جرعة جديدة تبقيه على قيد الحياة.
لقد أثبتت شعارات «المقاومة والممانعة» أنها مجرد بضاعة معدّة للاستخدام الداخلي، لكنها قابلة للبيع في أسواق الخارج، إذا كان الثمن مناسباً لبقاء الأنظمة. يساعد على هذه الصفقات المذلّة أن الغرب لا يعير اهتماماً للسلوك الداخلي لهذه الأنظمة ولممارساتها القمعية ضد شعوبها، وليس مستعداً للمحاسبة على ذلك، على رغم شعاراته المبهرة عن احترام حقوق هذه الشعوب. والدليل الذي أمامنا هو سكوت الغرب عن أعمال القمع التي يرتكبها النظام السوري بعد تخلّي هذا النظام عن سلاحه الكيماوي، وقبول الدول الغربية بتجاوز مساوئ الوضع الداخلي في إيران، وممارسات نظامها بحق المعارضين، في مقابل موافقة هذا النظام على «صفقة العصر» التي تهدف إلى إضعاف قدرات إيران النووية.
يساعد على قلق أهل المنطقة العربية أيضاً أن سلوك النظام الإيراني في هذه المنطقة ليس مطروحاً للمقايضة، ولم يكن، كما يبدو، جزءاً من الصفقة التي تمخضت عن مفاوضات الأيام الأربعة في جنيف. صحيح أن وزير الخارجية الأميركي جون كيري دعا طهران إلى «تغيير سلوكها السياسي»، إذا أرادت تطوير علاقاتها البعيدة المدى مع الولايات المتحدة. لكن هذه العبارة المطاطة يمكن أن تعني من وجهة نظر الاستراتيجية الأميركية مصالح إسرائيل ودعوة إيران إلى خطاب معتدل حيال هذه المسألة، أكثر من أي أمر آخر.
من هنا تبقى الأسئلة المتصلة بالاتفاق الإيراني الغربي تدور حول حدود الدور الذي سيُسمح لإيران أن تلعبه في شؤون الدول المجاورة، وتدخلاتها في مختلف الأزمات الإقليمية، من العراق إلى سورية ولبنان، مروراً بمنطقة الخليج. هل نحن بانتظار عهد جديد من العلاقات الإيرانية العربية، يقوم على أساس احترام قواعد الجوار وعدم التدخل في شؤون هذه الدول؟ هل يفسح هذا الاتفاق لقيام إيران جديدة أقل أيديولوجية وأكثر واقعية؟ أم أن إيران التي نعرفها منذ ثلاثة عقود لن تسمح ببزوغ هذا الفجر الجديد؟
الياس حرفوش/فجر جديد في ايران؟
15
المقالة السابقة