كتب سلطان الحطاب – وصلت إلى مسقط في اليوم الوطني ..عبرت المدينة في المساء كان الشباب العماني يتدفقون إلى الشوارع ويلوحون بالأعلام الوطنية وسط أغان وأهازيج..اختلطت بفوز عمان على سوريا في مباراة مقررة..في كل سنة يستقبل العمانيون يومهم الوطني بمزيد من الهدايا فالسلطنة لا تعرف التوقف والمشاريع الكبرى تتواصل ومظاهر الانجازات تزداد..والزائر الذي يتأخر سنتين أو ثلاث عن الزيارة يحس بالجديد الواسع..
العاصمة نظيفة ويحق لرئيس البلدية والمجلس البلدي أن يفخروا بعملهم وهم يعكسون صورة بهية لعاصمة تاريخية ..التقدم يطال مختلف مرافق الحياة فهناك اتساع في التعليم وبناء المدارس والاهتمام بالنوعية وهناك تطور في الخدمات الصحية وبناء المستشفيات وهناك مشاريع طموحة في شق الطرق الرئيسة وبناء شبكات واسعة منها تقدر كلفتها بمليارات الدولارات ..هناك خطط لامتصاص البطالة وتوسيع مظلة الضمانات وهو الرد العملي الذي مارسته الحكومة بتوجيه من السلطان على المطالبات التي قامت بداية الربيع العربي الذي استقبلته عمان برداً وسلاماً حين وفرت اجابات على الأسئلة المطروحة ولم تترك للتفاعلات السلبية مجالاً وحين أعربت الجمل المتعلقة بالشباب وأخذت بالتوجهات السلطانية واجرت تغيرات في كثير من المناصب القيادية لإعادة تجديد شبابها
وزير الاعلام الدكتور عبد المنعم الحسني الذي التقيته في حديث مطول جاء إلى الوزارة من الجامعة ومن أوساط الشباب وقد تمتع بعلاقات واسعة مع طلابه وقال “انه ثمرة من الثمار التي زرعها السلطان حين اختار قيادات شبابية واعدة وهيأ لها الظروف إلى أن أثمرت الآن” ..الوزير يركز على مسالتين .التعاطي بفاعلية وصدق مع الشباب واحتراف الاستماع لهم وترك مساحات واسعة يتحركون فيها..والمسألة الأخرى صناعة اعلام جاد فيه مصداقية يصاحب الانجازات ويفسرها ولا يقفز فوقها أو يكون بديلاً عنها..ولأن الوزير كما عرفت من مساعديه حوله يريد النجاح بالفريق فقد استمع لكادر الوزارة القيادي واستعان بخبراتهم وهو ما أكده مدير الاعلام في الوزارة الشيخ مجيد الرواس الذي قال ” مكننا من أن نساعده بداية واستمع الينا..انه يريد عملاً جاداً ينجح فيه الجميع..لم يقل انه أبو المعرفة بل جاء وأنصت واستعان بالمتوفر من الخبرات وبنى عليها وها هو ينجز”..
كان الكتاب السنوي الصادر عن الوزارة الذي يعكس صورة عمان في تطورها المتجدد لعام جديد (2013-2014) قد صدر لتوه وقد استلمت نسخة منه لأجد فروقاً بين عام وآخر فالخطط تتواصل ولعل ما يلفت الانتباه هو ما خبرني عنه السفير الأردني في مسقط والذي زرته في مكتبه الباشا متعب الزبن الذي تعجبه التجربة العمانية في التنمية والبناء الداخلي وقد قال: “هذا البلد يبني اكثر مما يتكلم وسألني ..هل اطلعت على الخطة الخمسية القادمة فقلت ما الجديد؟ قال: لن تصدق هناك مشاريع بالمليارات وخطط طموحة تأخذ مداها في التطبيق الآن لقد تقرر أن يبنى في كل محافظة مطار وفي كل محافظة مستشفى وأن تنهض اللامركزية من خلال الخدمات ليستمر وجود الناس في محافظاتهم وأماكن تجمعاتهم..هناك اقتسام حقيقي للتنمية وتوزيع ملموس لها..ووصول الى مختلف الأماكن البعيدة والأطراف ..الخطة تقفز بعمان قفزات واسعة غير مسبوقة”.
ثم التفت السفير إلى غلاف كتاب أحمله عن عمان وقال : “هل زرت الميناء الرئيس؟ اطلب أن تزوره لترى حجم العمل ومساحاته ومهبط الطائرات وعدد البواخر وحركة الاستيراد والتصدير وحيوية الأداء وحجم رسو السفن..هذا عنوان تستطيع أن تقرأ عمان من خلاله..ومشروع يعكس مصداقية القيادة في استثمار المال الوطني في الداخل وتعظيم فوائده فالاقتصاد هنا واعد ومنوع المصادر وها ما يجعله مختلفاً عن الاقتصاد الخليجي ..هنا يزداد انتاج النفط والامكانية لزيادته متوفرة وهو سيتضاعف خلال السنوات الثلاث القادمة أكثر من مرة لوجود اكتشافات بالاضافة إلى الغاز المسال وهناك مصادر ضخمة للثروة السمكية على شواطيء الخليج والمحيط وهم يطورون ذلك وهنا زراعة ناجحة ورؤية هادئة لصناعة سياحة ذات مردود اقتصادي يفتح البلاد للمزيد من الفرص..
حين يقرأ الزائر تاريخ عمان تفتح أمامه سجلات ضخمة وعميقة في الزمن يرى كيف قامت هذه الدولة مع بدايات تكوين الدول بل هي أولها في منطقة الجزيرة كلها فقد عرف العمانيون الدولة مبكراً كما عرفوا الملوك وظلت بلادهم تضرب جذورها في الحضارة ومنها جاء الفنيقيون من (صور) العمانية إلى صور اللبنانية وهم أول من ركب البحر وأقام التجارة فيه ونقل البخور والتوابل والحرير إلى أوروبا وكنائسها..فقد امتدت امبراطورية عمان إلى ساحل افريقيا الشرقي لاقامة دولة واحدة حكمتها الأسرة الممتدة عبر حلقات ثلاث إلى اليوم وما زال التاريخ العابق معاشاً..
لقد أدركت بعد طول قراءة ومعاينة للتجربة العمانية الناجحة انك لا تستطيع أن تفهم السياسة العمانية المميزة بايجابيتها وحيادها العملي وعلمية نهجها وتفردها إلا إذا قرأت تاريخ عمان وتأملت مراحله وتقلباته ونهوض فكر فلسفي وفقهي منه استطاع ان يبقى هذا البلد بعيداً عن الأنواء والصراعات وأن يفرز قدرات كامنة في الدفاع عن هذه الجغرافية العربية التي استقبلت الاسلام ونشرته وعملت إلى أن تكون مستقلة وصادة لأي غزو مهما كانت ذرائعه..فإن قرأت فقه المذاهب السائدة وخاصة الاباضية وصيرورة تفاعلها هنا وقدرتها على التعامل مع الواقع أدركت أن هذا التاريخ صيغ بعناية وأن النهج القائم الآن في العلاقات العمانية الاقليمية والدولية مشبع بالتجربة ومتأثر بتراكمها وبعيد عن الارتجال والتسرع فالعمانيون حساسون من التدخل في شؤونهم ومن اصابة هويتهم الوطنية ولديهم ايمان بالاعتماد على أنفسهم يسنده صبر طويل تعلموه عبر تاريخهم وفي ثنايا جغرافيتهم القاسية التي لفظت الغزاة من فرس وبرتغاليين وانجليز وغيرهم والتي ظلت تدين للاسلام ورسالته منذ قول الرسول (ص) “أهل عمان آمنوا بي قبل أن يروني”..
في العيد الوطني المتجدد لعمان ستكون محطة الـ (45) القادمة هي الأكثر تتويجاً وحسماً لصالح الفوز العماني الذي أصبح نموذجاً في المنطقة..