كنت قد ذكرت يوم الأحد الماضي (17/11) أنني سوف أشارك في مؤتمر حول حركات الإسلام السياسي، يعقد في عمان. وتعمدت الإعلان عن ذلك. رغم إدراكي أن ترؤسي لإحدى جلسات المؤتمر ليس خبرا يستحق الذكر، وأن المؤتمر كله يعد في أفضل أحواله خبرا محليا عاديا يسجل ضمن أنشطة مركز دراسات الشرق الأوسط في العاصمة الأردنية. وقد دفعني إلى ما ذكرت تلك اللوثة التي أصابت الإعلام المصري وبمقتضاها أصبح أي نشاط له علاقة بالإسلام السياسي مؤامرة خطط لها التنظيم الدولي للإخوان، الذي صار يقدم باعتباره قوة عالمية تحرك الأحداث في أقطار عدة، تتقدمها مصر في الوقت الراهن.
إزاء تدهور الحالة الهيستيرية التي أصابت خطابنا الإعلامي، فإنني فعلت ما فعلت. إذ قلت لنفسي إنه إذا كان إعلامنا قد اعتبر أوباما بجلالة قدره جزءا من المؤامرة، وعلى صلة بالتنظيم الدولي فليس أسهل من أن يتصيد البعض عندنا مسألة مشاركتي في مؤتمر عمان ويحولها بدوره إلى حلقة في المؤامرة.
ما توقعته حدث، لأنني وقعت على خبر نشرته صحيفة «الوطن» على صفحتها الأولى تحت عنوان بعرض أربعة أعمدة كان نصه: أجهزة سيادية: الإخوان اتفقوا مع الجيش السوري الحر على اغتيال قضاة مرسي. وتحت العنوان ذكرت الصحيفة أن الأجهزة السيادية (الأمنية) رصدت اتفاقا مع مسؤولين في التنظيم الدولي للإخوان مع عناصر في الجيش على اغتيال القضاة المسؤولين عن ملف محاكمة الرئيس المعزول محمد مرسي لإرهابهم.. ورصدت الوطن (لاحظ أنهم قالوا في البداية إن الأجهزة السيادية هي التي رصدت التحرك) الاجتماع المغلق الذي عقدته قيادات التنظيم الدولي تحت غطاء مؤتمر حركات الإسلام السياسي في عمان، الذي انعقد بالتزامن مع اغتيال المقدم محمد مبروك ضابط الأمن الوطني، فيما واصل المؤتمر لليوم الثاني تحريضه ضد الجيش المصري بمشاركة الكاتب الصحفي فهمي هويدي والقيادي الإخواني جمال نصار (لاحظ الربط). وقالت مصادر إن الاجتماع شهد وضع خطة لعودة الإخوان للحياة السياسية مجددا، تتمثل في استقطاب القوى المعارضة والاعتذار لهم، تمهيدا لتشكيل تحالف ضد الجيش المصري. وكذلك فتح حوارات مع أمريكا ودول أوروبا لدعم ذلك السيناريو.
ما يثير الدهشة أن من كتب التقرير ليس كذوبا فحسب، ولكنه على درجة عالية من الجهل. فهو لا يعلم مثلا أن «الجيش الحر» الذي أقحم في المؤامرة ترعاه السعودية وتدفع رواتبه، وهي الداعم والحليف الأول لمصر في الوقت الراهن. ثم إن قيادات ذلك الجيش على خلاف مع الإخوان السوريين، ناهيك عن أنه ليس له أي وجود خارج سوريا.
إذا غضضنا الطرف عن ذلك الشق في التقرير فسوف يفاجئنا مضمون تقرير آخر نشرته في ذات الصباح صحيفة «المصري اليوم» لمراسلها الذي تابع جلسات مؤتمر عمان. ذلك أن المراسل لم يشر بكلمة إلى ما اختلقته جريدة الوطن، وإنما ذكر ما يلي: انتقد فهمي هويدي الذي رأس إحدى جلسات المؤتمر الحديث عن المشروع العربي الإسلامي، واعتبر ذلك خطأ سياسيا، وقال إننا حين نتحدث عن الدولة فينبغي أن نتحدث عن مشروع وطني يستظل به الجميع، في حين أن الكلام عن مشروع عربي إسلامي قد يحمل بمعنى إقصاء الآخرين، حيث يتعين التفرقة بين قيادة جماعة ورئاسة دولة، والأخيرة تقتضي استيعاب المعارضين والخصوم واستخلاص الخير الكامن في كل هؤلاء. وفي مصر فإن الإسلاميين لم يستطيعوا أن يتحملوا العبء وحدهم لأن إصلاح الوطن يقتضي التواصل والتفاهم مع الجميع.
وتحدث هويدي عن التنظيم الدولي قائلا إنه خرافة كبرى وليس له أي تأثير على الإسلاميين في العالم العربي وكل ما يثار حوله في هذا الصدد هو فرقعات إعلامية و«شو» صحفي.
لا تعليق لي على ما نشرته الصحيفتان المصريتان، الأول منسوبا إلى تقرير أمني أعدته مصادر سيادية، والثاني منقول عن مراسل حضر مؤتمر عمان. لكن المفارقة ذكرتني بالقصة التي سمعتها من الأستاذ أحمد بهاء الدين وأوردها في أحد كتبه، وخلاصتها أن رئيس الوزراء ووزير الداخلية الأسبق ممدوح سالم أطلعه ذات مرة على التقارير الأمنية التي كتبت عنه. وإذ فوجئ الأستاذ بهاء بالأكاذيب والافتراءات التي تضمنتها، فإنه قال للسيد ممدوح سالم إن الداخلية تعتمد في التقارير التي تكتب عن المثقفين على نماذج بائسة ومتخلفة من البشر، فما كان الرجل إلا أن رد عليه قائلا: أرجوك لو وجدت واحدا محترما مستعدا لكتابة تلك التقارير فدلني عليه.
حين استحضرت تلك التقارير قلت إن بعض كتابها صاروا كتابا في الصحف ونجوما في الإعلام. إلا أنهم في السابق كانوا يشوهون سمعة الرجال فقط، لكنهم في الوقت الراهن أصبحوا يعبثون بمستقبل الوطن والأمة.