لم تحتفل جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، أول من أمس، بمرور 67 عاما على تأسيسها رسميا في الأردن. كان أحمد الطراونة، الذي صار لاحقا رئيسا للديوان الملكي، واحدا من المؤسسين، وحمل بيده قرار مجلس الوزراء الصادر في 19 تشرين الثاني (نوفمبر) 1946، أي بعد أشهر من استقلال البلاد. وكان أول مراقب عام للجماعة، الحاج عبداللطيف أبو قورة، واحدا من كبار تجار عمان. أيامها، كان الملك المؤسس عبدالله بن الحسين راعي افتتاح المركز العام، ولم يكن المؤسسون بمجملهم يخرجون عن تعريف الطبقة الوسطى، أو البرجوازية الوطنية بحسب الماركسيين.في المركز العام، أول من أمس، احتفلت “الجماعة” بالإفراج عن معتقلي الحراك. وفي الكلمات، بدا كم هي بعيدة الشقة بين لحظة التأسيس وبين اليوم؛ تماما كبعد الشقة بين النظام وبين “الجماعة”، كأننا أمام نظام وجماعة غير ما هما العام 1946. في الواقع أن كليهما تغير كثيرا، لكنهما لم يستبدلا. بعد عام من التأسيس، وقعت النكبة الفلسطينية التي زلزلت المنطقة. جهز أبو قورة كتيبة من ماله الخاص للقتال، وقدمت “الجماعة” مجاهدين وشهداء. لكن النكبة غيرت تركيبة البلاد، كما تركيبة “الجماعة”.في لحظة استقلال البلاد، كان نصف سكان المملكة من البدو، والنصف الآخر من الفلاحين، بحسب الإحصاءات. وكانت بذور مدنية تنمو في عمان ومراكز المحافظات. وفي لحظة النكبة، صار نصف السكان لاجئين، وبعد أشهر صاروا مواطنين.لم تعد “الجماعة” قوة تحديثية تمثل التجار والمثقفين وعموم الطبقة الوسطى؛ بفعل الزلزال الفلسطيني، صار مطلوبا منها أن تكون قوة نضالية تستوعب الساخطين من اللاجئين وغيرهم، خلال عقود، لم تكن “الجماعة” شريكا للنظام، ولم تكن خصما له. لكنهما ظلا متعايشين في إطار أجواء تسامح متبادل، وهامش ديمقراطي يتسع ويضيق، وقد يتلاشى. ليس صحيحا أن النظام سخّر الدولة للإخوان لمواجهة القوى القومية واليسارية والفصائل الفلسطينية. صار إسحق الفرحان وزيرا للتربية، لكن عشرات من البعثيين والشيوعيين والقوميين واليساريين صاروا أيضا وزراء ورؤساء وزارات وجامعات.في الاختبارات الديمقراطية، نجحت “الجماعة”، وشاركت في كل انتخابات أتيحت، وحجبت الثقة عن حكومات ومنحتها لأخرى، ولم تتورط في العنف. وتوافقت مع أساسيات الديمقراطية في خطابها الفكري وأدائها السياسي. وبعد “الربيع العربي”، وعلى حدة الاستقطاب، حافظت على تلك السمات. من المفارقات أن من بقي من معتقلي الإخوان هم من رفعوا شعار “رابعة”، مع أن ما نفخر به في الأردن، دولة ومجتمعا وجماعات، هو أنه لا توجد في تاريخنا “رابعة”، ولا “حماة”، ولا “حلبجة”، ولا ما دون ذلك من مجازر مروعة بحق المدنيين. ليس في تاريخنا قتل متظاهرين ولا قصف مدن، ولا استباحة واعتقالات بالجملة. وفي المقابل، ليس عندنا دولة ديمقراطية حديثة.إذا لم نستطع بناء دولة حديثة ديمقراطية، تحافظ، في الحد الأدنى، على إرثنا في السلمية والتسامح، فحال الاستقطاب السياسي الحاد بعد “الربيع العربي”، وتوافر صواعق العنف؛ سواء المجتمعي المحلي (وليس آخره ما شهدته جامعة البلقاء) أو الجوار المشتعل في سورية، قد يهدد الموروث منذ استقلال البلاد.تحتاج “الجماعة” إلى مراجعة، وتحتاج الدولة إلى مراجعة. لكن يبدو ذلك متعذرا، ويبدو أن الجميع يعمل وفق مبدأ المياومة، بعيدا عن حسابات التاريخ أو المستقبل.