يشكّل العنف الذي تشهده بعض جامعاتنا وصمة عار على مؤسسات التعليم العالي بصورة خاصّة وعلى مناهجنا ومؤسساتنا التربوية بصفة عامّة.
ولم يعد مقبولاً بأيّ صورة من الصور التساهل مع هذه الظاهرة ولا محاولات التقليل من شأنها وأبعادها، ولقد جرت دراسات ومحاولات كثيرة لفهم هذه الظاهرة واكتشاف أسبابها، ولكن ذهبت كلّها أدراج الرياح، وبدلاً من أن تتقلص هذه الظاهرة وتتراجع نتيجةً لهذه الدراسات والمحاولات فإننا نجدها تأخذ أشكالاً جديدة أكثر تطوراً وتعقيداً وأشدّ خطورة.
والخطأ الذي ترتكبه جامعاتنا في هذه الأيّام هو أنّها تحاول معالجة المشكلة بعد وقوعها، أي بعد أن تقع الفأس في الرأس، وهذا يكلف التعليم العالي كثيراً ويسبب له أضراراً أخلاقية وثقافية واجتماعية وتربوية وتعليمية وغيرها، لأن محاولات العلاج تأتي بعد انتشار الداء. والمفروض أن تعمل مؤسساتنا التربوية ومؤسسات التعليم العام والعالي على وضع الخطط الوقائية مسبقاً للحيلولة دون ظهور الداء، فمثلما توجد برامج للوقاية من السرطان وبرامج للوقاية من حوادث السير وبرامج للوقاية من التصحّر والجفاف فلا بدّ من وضع برامج للوقاية من عنف الجامعات ، ولا بدّ أن يكون التخطيط لمثل هذه الوقاية استراتيجيّاً تشترك في وضعه جميع مؤسسات الدولة كلٌّ من زاوية اختصاصه.
وبعد وضع هذه الإستراتيجية العامّة يُطْلَبُ من كلّ جامعة أن ترسم تفاصيل خطتها لتنفيذ هذه الإستراتيجية، وأن ترفع هذه الخطّة إلى مجلس التعليم العالي وهيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي لمناقشتها وإقرارها بحيث تصبح بعد ذلك ملزمة للجامعة التي أعدّتها، وتخضع الجامعة للمساءلة والمحاسبة في حال عدم التزامها بهذه الخطّة وتلك الإستراتيجية. ويمكن لمجلس التعليم العالي بعد ذلك أن يصنف الجامعات الوطنية حسب التزامها بخططها وبإستراتيجية الوقاية من العنف الجامعي ومدى نجاحها في تنفيذ هذه الخطط والإستراتيجيات، ويمكن لمجلس التعليم العالي في ضوء ذلك اعتماد نجاح الجامعة في الوقاية من العنف الجامعي معياراً لزيادة مخصّصات الدعم الحكومي للجامعة أو السماح للجامعة باستيعاب أعداد جديدة من المقبولين أو فتح تخصصات جديدة أو غير ذلك، مع مراعاة أن لا تخلّ هذه الخطط والإجراءات وما يترتب عليها بسياسات الجامعة للارتقاء بمستوى التحصيل والبحث العلميين وبما يفضي إلى مصلحة المجتمع وتقدّمه وازدهاره.
د.صلاح جرار/الوقاية من العنف الجامعي
16
المقالة السابقة