في إمكان الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند أن يقدم خدمة كبيرة لعملية السلام في المنطقة لو أنه استطاع الحصول من الإسرائيليين على التزامات تسمح للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بالإقلاع والوصول إلى النتائج المتوخاة منها، في مقابل موقفه القوي المساند لحملتهم على البرنامج النووي الإيراني.
أما أن يقف هولاند في إسرائيل ليشن حملة على برنامج إيران النووي، من قلب الدولة الوحيدة في المنطقة التي تملك هذا السلاح، فان مثل هذا الموقف لا يوفر صدقية لدولة كبرى مثل فرنسا، سواء عند الإسرائيليين، الذين لا بد أنهم يسخرون في قرارة نفوسهم من هذا الموقف الانتهازي، ولا عند العرب، الذين ينتقدون المغامرات الإيرانية، لكنهم لا يتجاهلون في الوقت ذاته الخطر الحقيقي الذي شكلته إسرائيل وسياساتها وأسلحتها واعتداءاتها، ولا تزال على استقرار المنطقة وعلى رفاه شعوبها، على مدى العقود السبعة الماضية.
والواقع أن المعلقين الإسرائيليين لم يتأخروا في التشكيك بجدية الدعم الذي قدمه الرئيس الفرنسي لهم ولا في التذكير بضعف شعبية هولاند في بلاده، إذ تشير استطلاعات الرأي الأخيرة إلى أنه الأقل شعبية بين كل رؤساء فرنسا في ظل «الجمهورية الخامسة»، وهو ما يؤثر حكماً على موقف حكومته في المفاوضات الدولية الجارية مع إيران والتي ستستأنف غداً في جنيف. فقد علقت صحيفة «يديعوت احرونوت» على ما وصفته بأنه «شهر عسل جديد» بين فرنسا وإسرائيل، وقالت إن تسرّع الإسرائيليين إلى الاعتماد على الدعم الفرنسي قد يسبب خيبة أمل لكل من يقوم برفع سقف توقعاته.
أثبت الرئيس الفرنسي خلال زيارته لإسرائيل وللأراضي الفلسطينية أنه مستعد لأن يبيع كل فريق من بضاعته. في إسرائيل لم يتطرق إلى الاستيطان بل تحدث عن ضرورة قيام الإسرائيليين بـ «مبادرات» من أجل السلام. ولم يتذكر أن المستوطنات تشكل عقبة في الطريق إلى قيام الدولتين إلا عندما وصل إلى رام الله، التي انتقد منها سياسة الاستيطان التي ينتهجها نتانياهو وطالبه بإنهاء كامل لبناء المستوطنات لأنها تقوض حل الدولتين.
وبالنتيجة فان تصريحات المجاملة التي أطلقها هولاند على مسامع الإسرائيليين والفلسطينيين لن تقدم ولن تؤخر، لا في مسار المفاوضات على الملف النووي الإيراني ولا في ما يتعلق بالتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. ففي المسألة الإيرانية تنظر إدارة أوباما إلى التصعيد الفرنسي خلال المفاوضات على أنه ورقة في يدها، تغنيها عن أن تفعل ذلك بنفسها، وتسهّل بالتالي سياسة التواصل التي تبنيها في الوقت الحاضر مع إدارة حسن روحاني.
أما في المسألة الأخرى، المتصلة بأزمة المنطقة، فان الرئيس الفرنسي هو آخر من يحسب له الإسرائيليون حساباً عندما يقررون سياساتهم تجاه الاستيطان أو غيره من القضايا المتصلة بهذا الصراع. فهم يدركون، كما عبّر عدد كبير من سياسييهم وقادتهم، ومن بينهم الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز، أن الخطر الأكبر على أمن إسرائيل ومصالحها ومستقبلها، يكمن في ترك الاختلاف القائم حالياً في شأن المسألة الإيرانية يتحول إلى خلاف بعيد المدى، لأن إسرائيل ستكون المتضرر الأكبر من خلاف كهذا. كما يدرك الإسرائيليون أيضاً أن ضمانات الحماية لسياساتهم، وحتى لوجودهم، لا تؤمنها إلا العلاقات الخاصة القائمة بينهم وبين الولايات المتحدة.
في ضوء كل ذلك يمكن القول إن جولة فرنسوا هولاند لم تكن أكثر من جولة علاقات عامة، ورحلة سياحية، لن تكون هناك حاجة إلى كثير من الوقت لننسى أنه قام بها أصلاً.