عروبة الإخباري – أكد رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة أن قانون الانتخاب الحالي يقف “عائقا” امام تطور الحياة السياسية والحزبية والبرلمانية في البلاد، من خلال “تكريسه العمل الفردي وابتعاده عن العمل الحزبي المنظم”، مؤيدا رفع تعداد القائمة الوطنية إلى نصف عدد أعضاء المجلس وتقليص عدد النواب إلى 120 نائبا.
وعلى الرغم من ذلك، استبعد رئيس المجلس المنتخب حديثا أن يقوم مجلس النواب بإجراء تعديل على قانون الانتخاب في دورته العادية الأولى، بسبب تراكم قوانين ملحة بحاجة لتعديل للتوافق مع التعديلات الدستورية التي جرت العام 2011.
ورأى الطراونة في حوار مع “الغد” أنه “ليس من أولويات مجلس النواب إطاحة حكومة الدكتور عبدالله النسور”، باعتبار أن تعديل القوانين أمر ملح، لكنه استدرك قائلا إن وضع الحكومة سيكون في مجلس النواب “أخطر مما كان سابقا، وهناك إحباط كبير في صدور النواب”، نافيا تسلمه أي مذكرة لحجب الثقة عن الحكومة.
ويتعين على مجلس النواب دستوريا قبل انتهاء دورته الحالية تعديل ما يقرب من 16 قانونا حتى تتوافق تلك القوانين مع التعديلات الدستورية، وتنتهي المهلة التي منحها الدستور للنواب لإجراء تلك التعديلات بانتهاء الدورة العادية الحالية.
واعتبر الطراونة الذي يتسلم سدة رئاسة مجلس النواب للمرة الأولى، أن “الإصلاح في البلاد يسير في الطريق الصحيح إلا أنه بطيء”، متخوفا من أن يعيد تباطؤ الإصلاح الناس إلى الشارع مجددا.
ولفت إلى أن مفتاح الإصلاح السياسي يكمن في تعديل قانون الانتخاب، وأن مفتاح الإصلاح الاقتصادي يتمثل بتعزيز العدالة الاجتماعية من خلال توزيع مكتسبات التنمية بعدالة على المحافظات.
وقال إن قانون الانتخاب المنشود يجب أن يؤسس لحياة حزبية حقيقية تستطيع الأحزاب من خلاله الوصول إلى مجلس النواب، ويستطيع النواب وفق ذلك تشكيل تيارات سياسية تتنافس على خدمة الوطن والمواطن.
واعتبر أنه من المبكر الحديث عن حكومات برلمانية، داعيا إلى منح التحالفات النيابية التي تشكلت مؤخرا من خلال انتخابات رئاسة مجلس النواب الفرصة لكي تتجذر وتتعمق ويكون بمقدورها أن تؤطر لحكومات برلمانية حقيقية.
وقال إن فتح مواد الدستور للتعديل من جديد بما يسمح لتشكيل قوائم حزبية خالصة وارد، بخاصة أن جلالة الملك أكد في أكثر من مناسبة أن الدستور سيظل مفتوحا على التطوير والتحديث كلما تطلبت الحياة العامة تطويرا على العقد الاجتماعي الذي ينظم معاملاتنا كمواطنين في مؤسسات الدولة.
ونفى بالمطلق سماعه عن استخدام المال السياسي في انتخابات رئاسة مجلس النواب، داعيا من يمتلك دليلا على ذلك التوجه إلى القضاء فورا، والتوقف عن إطلاق الإشاعات بحق المجلس وأعضائه.
واختلف الطراونة مع من يقول إن الغرفة الثانية (الأعيان) قد تعيق الإصلاح المنشود، أو قد تقف عائقا أمام إقرار قوانين إصلاحية، مؤكدا حرص المشرعين، أعيانا ونوابا، على التعاون والإنجاز.
وأكد أنه سيفتح حوارات مع مؤسسات المجتمع المدني كلها ومع حزب جبهة العمل الإسلامي، قائلا: “نخسر كثيرا كلما انطوت الحركة الإسلامية على ذاتها، أو مورس بحقها عزل أو تهميش”.
ورفض القول إنه “محسوب” على الحكومة، وقال إنه كرئيس لمجلس النواب، فهو “محسوب” على الالتزام التي قطعه أمام من منحوه الثقة والحاجبين عنه، كما أنه “محسوب” على برنامجه الانتخابي، الذي طرحه خلال ترشح قائمة “وطن” لانتخابات مجلس النواب.
وقال الطراونة: “نحن لسنا في خصومة مع الحكومة، نقترب منها كلما اقتربت من برنامجنا كنواب، والمجلس لا يستطيع إغضاب الشارع الذي انتخبه، وبالتالي فإن أي سياسات من شأنها تضييق الخناق على الشعب ستؤثر بلا شك على النواب وعلى حجم رضاهم عن الحكومة”.
وتاليا نص الحوار:
• استطلاع الرأي الأخير قال إن ما نسبته 30 % من النواب لا يقومون بدورهم التشريعي والرقابي، ما يشير إلى وجود إرث سلبي عن مجلس النواب، والنتائج تشير إلى ان الأردنيين غير راضين عن أداء المجلس، كيف يمكنك تحسين صورة المجلس؟
– اسمحوا لي أن أشكركم على هذه الفرصة التي أطل من خلالها على الرأي العام من خلال منبر إعلامي احترمه، وأقدر دوره الريادي في صناعة الإعلام.
وجوابا عن السؤال، فإن قوانين الانتخاب تركت مثل تلك الانطباعات لدى الناس، لأنها لا تسمح للنائب بأن يكون ممثلا سياسيا لمن انتخبه، كما أنها أحدثت شرخا في المناطق الانتخابية ذاتها، وأحيانا في العشيرة الواحدة، ما ساهم في الإرث السلبي، فضلا عن وجود متنافسين للمرشح الفرد، وهؤلاء يملكون دعاية مضادة ضد المجلس والنائب، الأمر الذي يؤثر على صورته أحيانا، وصورة مجلس النواب. والمجلس الحالي كسابقيه لا يقوم على تكتلات سياسية أو حزبية، ولكل نائب برنامجه المستقل، ولكم أن تتصوروا أنه يوجد تحت قبة البرلمان 150 برنامجا انتخابيا يريد أصحابها تنفيذها كل حسب وجهة نظره، هذا جانب، أما الجانب الآخر فإن العمل السياسي الأردني التراكمي بشكل عام متواضع، وهنا لا أتحدث عن مجلس النواب وإنما عن الحياة السياسية بشكل عام، والحياة الحزبية عاشت في رعب في وقت سابق، وعندما بات الطريق أمامها مفتوحا تراجعت بشكل لافت.
حتى نضع الأمور في نصابها فإن نقد المجلس في اوقات كثيرة لا يكون من خلال دراسات ووجهات نظر وتقارير تظهر المثالب والإيجابيات، وانما يأتي ذلك من خلال تصرف فردي فحسب، الأمر الذي يشوش الرأي العام أحيانا، ويضع كل المجلس في كفة النقد. وعلى الرغم من كل ذلك، علينا أن نقر أن مجالس النواب وهذا المجلس جاءت من خلال صناديق الاقتراع، اي من خلال ثقة الناخبين، وأعتقد أن أداء مجلس النواب خلال الدورة الحالية، سيكون له أثر كبير في المزاج العام، فإذا احتكم المجلس في أدائه إلى معايير صارمة في محاسبة الحكومة، وأداء فارق في مناقشة وإقرار التشريعات، فسنكون على موعد مع التغيير الإيجابي الصحيح.
وفي اعتقادي أيضا، أن مجلس النواب إذا نجح في بسط هيبته ونفوذه الدستوري، فقد يقلب المزاج العام لصالحه، ونحقق التقدم الذي نريده، والذي يلبي تطلعات وطموحات جلالة الملك، ويخدم فرص استقلالية السلطات الدستورية وتعزيز مكانتها.
• ما هو برنامج عملك في المرحلة المقبلة، وماذا ستفعل، وهل لك أن تطلع الرأي العام على المواقيت الزمنية لتنفيذ هذا البرنامج؟
– برنامجي سياسي اقتصادي اجتماعي، ويقوم على فكرة أن تعديل قانون الانتخاب هو المفتاح الحقيقي للإصلاح، وأختلف مع مع يقول إن طريق الاصلاح يبدأ بقانون الاحزاب، لأن قانون الانتخاب كفيل بتجويد العمل الحزبي.
ومنذ اللحظات الأولى من تسلمي موقع رئاسة مجلس النواب، شكلنا برنامجا مع الزملاء النواب الإعلاميين، بهدف إظهار الصورة الحقيقية الصادقة وغير المزيفة وغير المنمقة لمجلس النواب، كما سنقوم بدفع كل التشريعات التي تتم مناقشتها من قبل المجلس للرأي العام والناس للاطلاع عليها، من خلال موقع المجلس الإلكتروني، ولا ضير من الاستعانة ببيوت الخبرة في نواح تشريعية وقانونية، وسيكون لكل صاحب وجهة نظر حق في إسماع وجهة نظره لأعضاء مجلس النواب، سواء أكانوا نقابات أم أحزابا أم لجان مرأة أم شبابا أم طلابا.
كما سنتحرك باتجاه تعديل بعض المواد في النظام الداخلي التي ظهر من خلال التطبيق أنها بحاجة لتعديل، ومن ابرز تلك المواد ما يتعلق بآلية انتخاب النائب الاول والثاني لرئيس المجلس، بحيث يتم النص على أن يحصل كل منهما على نصف عدد المصوتين على الأقل، وكذلك نفكر في إمكانية إجراء انتخابات اللجان النيابية كل سنتين وليس كل سنة، لأن اللجان النيابية بيوت خبرة، وبالتالي فإن الخبرة التراكمية مهمة للتشريع.
وبرنامج عملي كرئيس لمجلس النواب لم يكن برنامجا شخصيا، اجتهدت في صياغته وارتجلت إعلانه وتبنيه، فنحن في كتلة “وطن” كانت لنا محاولات مبكرة في صناعة برنامج إصلاحي واقعي، يحاكي الإمكانات المتاحة، وسبق ذلك أن قائمة “وطن” التي ترشحت لانتخابات مجلس النواب السابع عشر طرحت برنامجا سياسيا اقتصاديا، وأعتقد أن القائمة والكتلة كانتا امتدادا لبعضهما، وأن المشاركة بين أعضاء القائمة والكتلة شكل تقاطعا سياسيا مهما، في توحيد الرغبة تجاه إعلان برنامج عمل واضح المعالم والتفاصيل، وليكون هذا البرنامج وخطوات تنفيذه؛ الأداة القياسية لتقييم عملنا كمرشحين أولا وكنواب وطن ثانيا.
وهنا؛ علينا أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، ونقول: إن كفا واحدة لا تصفق، وإن كتلة واحدة لن تستطيع عمل شيء، ومن هنا كانت الفكرة بإنشاء تحالفات برلمانية واسعة، وتشكيل ائتلافات نيابية بين الكتل، لعلنا من خلالها نستطيع تحقيق كل شعاراتنا على أرض الواقع.
• لكن قانون الانتخاب لا يصنع هذا الشكل المثالي من العمل البرلماني، فالقانون لا يؤطر ولا يبسط لهذا الأداء النيابي المنشود؟
– صحيح؛ لكن بإمكاننا أن نقول إن تطبيقات قانون الانتخاب الذي انتخب بموجبه أعضاء مجلس النواب السابع عشر، كشفت عن عورات القانون ونظامه الانتخابي. وعلى القوى السياسية؛ الحزبية والمنضوية تحت ألوية الحراكات الشبابية والشعبية أو التيارات والجبهات العريضة، عليها أن تعين مجلس النواب بالرأي والنصيحة، لدى فتح قانون الانتخاب من جديد، ومحاولة مناقشته بهدوء، فكلنا يعلم أن قانون الانتخاب الدائم الذي أقره مجلس النواب السابق، نوقش وأقر تحت تأثير الضغط العصبي والخلاف الحاد في الرؤى والمواقف.
واليوم، قد نكون في حالة تسمح لنا بإعادة فتح النقاش ونحن ننعم بهدوء أكثر، وقدرة على تفهم جميع الآراء المطروحة، التي أستطيع التأكيد بأنها تتنافس فقط في تجويد أحكام قانون الانتخاب، وبما يخدم مسيرة الإصلاح والديمقراطية، والتطوير والتحديث المستمرين عليهما.
• إذن، أنت تقف ضد قانون الانتخاب الحالي؟ فهل في جعبتكم قانون انتخاب جديد؟
– أنا مع رفع عدد مقاعد القائمة الوطنية، ولا ضير أن يصل العدد إلى 50 % من عدد مقاعد مجلس النواب، كبداية اولية، ثم نرفعها إلى أكثر من ذلك، وإذا اقتضى ذلك تعديل الدستور فلا ضير، وعندما نتحدث عن 50 % من عدد اعضاء مجلس النواب فإن ذلك من شأنه خلق حالة ايجابية متنوعة من العمل البرلماني السياسي والمجتمعي، كما أنني مع تخفيض عدد مقاعد مجلس النواب إلى 120 وترك مقاعد متساوية للمحافظات.
والقائمة الوطنية يجب أن تكون حزبية، كما يجب أن تصاغ التعليمات لها بشكل يحصن المبدأ، وعدم ترك ثغرات تسيء للفكرة وتضيع القيمة والهدف منها.
هذا الشكل من قانون الانتخاب كفيل بخلق حالة حزبية رائدة في البلاد، وتشكيل من 3 إلى 4 تيارات حزبية تتنافس في ما بينها للفوز بأكبر حصة من عدد المقاعد، وهذا سيؤثر ايجابا على الاحزاب.
والقانون الحالي، إن تضمن ميزة واحدة إيجابية، فإنها قد تجسدت في مقاعد الدائرة العامة أو القوائم الوطنية، إلا أن القانون ما يزال عاجزا عن تطوير أداء مجلس النواب من خلال تحسين معايير الاختيار من بين المرشحين، فالدوائر الانتخابية المنتشرة ما تزال توزع خيارات الناخبين على الهويات الفرعية، ولم تنجح القوائم الوطنية في الدخول تحت قبة مجلس النواب بالشكل الصحيح، حيث توزع الناجحون من القوائم الوطنية على مقاعد فردية، دون أن تأتي هذه القوائم بجسم سياسي تتوفر له التقاطعات المطلوبة للشراكة البرلمانية، والتي تشكل القاعدة الصلبة لبناء جسم كتلوي سياسي برامجي تحت قبة مجلس النواب.
وكتلة “وطن” ناقشت هذا الأمر في أول اجتماعاتها، لكن قد يكون في الظروف التي عصفت بالكتل منذ أول أيام مجلس النواب السابع عشر، ودخولنا في حالة عمل متواصلة، بدأت من المشاورات النيابية في اختيار رئيس الوزراء المكلف، وتشكيل الحكومة واختيار أعضائها، ثم الدخول في مناقشة سلسلة تشريعات مؤجلة، وتكثيف جلسات الرقابة، كل ذلك أجل مناقشة التشريعات ذات الصفة السياسية؛ مثل قانوني الأحزاب والانتخاب. لكن ما يزال يوجد من برامج كتلة “وطن” مناقشة مسودات لمشاريع قوانين انتخاب مقترحة، وبالتالي الاشتباك الإيجابي مع أفكار وطروحات كثيرة، قد تؤدي في المحصلة إلى الخروج بمقترح قانون انتخاب نضعه أمام الحكومة لترفعه إلى مجلس النواب.
•هل أنت مع فتح الدستور على مزيد من التعديلات؟
– ليس أنا من أقول هذا؛ فالقول هنا لجلالة الملك بأن الدستور سيظل مفتوحا على التطوير والتحديث كلما تطلبت الحياة العامة تطويرا على العقد الاجتماعي الذي ينظم معاملاتنا كمواطنين في مؤسسات الدولة. وقد نكون بحاجة إلى تعديل بعض مواد الدستور، لكن هل هذا هو الوقت المناسب للقيام بتعديل الدستور؟!
أعتقد أن الأولوية اليوم هي لتعديل بعض القوانين لكي تتوافق مع التعديلات الدستورية التي جرت مؤخرا، كما أعتقد أنه يجب أن تكون الأولوية أيضا لإعادة إنتاج معادلة الحوار الإيجابي بين المؤسسات الرسمية وبين القوى السياسية المتباينة، والتي لم تتوحد بعد إزاء المطلوب من ملف الإصلاح وحدوده وتطبيقاته ومواعيده.
وذلك يتطلب أولا العودة إلى الحوار والاتفاق المبدئي على جدولة مطالبنا الإصلاحية وفق أجندة وطنية تأخذ في الحسبان المتغيرات الإقليمية، وتطور وعي المواطن محليا.
• هل تعتقد أن مجلس النواب الحالي سيقر قانونا معدلا لقانون الانتخاب؟ وما حقيقة تخوفه من حل المجلس إن عدل القانون؟
– بداية، وحتى نضع الأمور في نصابها فإن من الواجب أن يعرف الرأي العام أن مجلس النواب في دورته الحالية أمامه وواجبه الدستوري تعديل ما يقرب من 16 قانونا حتى تكون تلك التعديلات متوافقة مع الدستور الذي تم تعديله مؤخرا، ولا يوجد أمامنا وقت لفعل ذلك إلا في الدورة العادية الحالية، وهذا بحكم نصوص الدستور، كما أن المجلس أمامه ما يقرب من 45 إلى 50 قانونا مؤقتا ينبغي النظر فيها، وأمامه مناقشة وإقرار الموازنة العامة للدولة، وهذا يعني أن مجلس النواب إن فكر بفتح تعديل في قانون الانتخاب في الدورة العادية، فلن يسعفه الوقت أمام هذا الكم الكبير من القوانين الملحة والمستعجلة، وبالتالي فإن الحديث عن اجراء تعديل على قانون الانتخاب لن يكون في الدورة العادية الحالية.
أما في ما يتعلق بموضع الخوف من الحل فإنني أعتقد أن النواب لا يفكرون بهذا الشكل، خصوصا أنه يمكن أن يتم النص في اي تعديل على سريان العمل به عند انتهاء مدة المجلس الحالي، وبالتالي فإن الحديث عن تخوفات نيابية من حل المجلس وتلكؤ نيابي لتعديل القانون غير واردة وغير صحيحة.
• هل تعتقد أن أي تعديلات سواء دستورية أم على قانون الانتخاب بما يؤمن السير بمسيرة الإصلاح للأمام، ستمر بسهولة من خلال غرفتي التشريع، خصوصا من مجلس الأعيان؟
– أختلف مع من يقول إن الغرفة الثانية (الأعيان) قد تعيق الإصلاح المنشود، أو قد تقف عائقا أمام اقرار قوانين إصلاحية، وكان لي حديث مطول مع رئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة، واتفقنا على تكاملية في التشريع، وذلك من خلال حضور رئيس ومقرر اللجان في الأعيان اجتماعات اللجان النيابية، الأمر الذي من شأنه أن يسهل العمل الجمعي، ومجلس الأعيان يضم خبرات قانونية وازنة، وفيه من خبراء العمل العام، من يستطيعون أن يضيفوا على أي تشريع تطورا وإصلاحا، وأنا متفائل بوجود الروابدة رئيسا لمجلس الأعيان، وهو رجل دولة له خبرته البرلمانية العريقة، كما أنه خبير في التشريعات والقوانين، وسيكون عونا لمجلس النواب، وسيكون شريكا يعيننا على تقليص هامش الخلافات بين المجلسين عند مناقشة التشريعات الجدلية، وقبل الوصول للجلسات المشتركة بين مجلسي النواب والأعيان.
• هل تعتقد أننا نسير على الطريق الصحيح للإصلاح؟
– نعم، لكننا نسير بشكل بطيء، وعلينا أن نطور من أدائنا، ونسير بخطوات أكثر سرعة وثقة للأمام، أما إذا استمر سيرنا على حاله، فإننا سنوفر أرضية خصبة لإعادة الناس إلى الشارع، وسندفعهم لذلك، وسنمنح البعض فرصة لامتلاك الشارع من جديد.
• جمدت علاقة مجلس النواب مع الأحزاب وجبهة العمل الإسلامي، والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني في فترات مضت، ما هو تصوركم لإدارة هذا الملف خلال فترة رئاستكم لمجلس النواب؟
– مجلس النواب منفتح على جميع القوى السياسية، وحزب جبهة العمل الإسلامي حزب أردني مرخص ومحترم، ولا ضير عبر رئيس المجلس ولجانه أن يتم التشاور مع مكونات المجتمع الأردني من أحزاب ونقابات، وسوف أتحرك حال تم ترتيب أوضاعنا الداخلية لفتح حوارات معمقة مع الأحزاب، سواء في مقراتها أو في مجلس النواب الذي هو مجلس الشعب. ولا أجد أن الأمر معقد، فما بيننا وبين القوى السياسية، ليس أكثر من منافسة وطنية على شكل الإصلاح وسرعة مسيرته، ولا أظن أن أيا من هذه القوى سيتأخر عن المبادرة إلى تقديم ما هو نافع للوطن وللتشريعات الإصلاحية.
• هذا يعني انك ستسعى إلى توافق وطني برؤية محددة؟
– مجلس النواب ممثل الشعب، وهو حلقة الوصل بين الحكومة ومكونات المجتمع الأخرى، وآمل أن أوفق في خلق حالة تؤسس لحوار حقيقي تصاحبه استراتيحية وطنية جامعة، والحوار هو الهدف وليس الفرقة، قد نختلف في الرأي والرؤى لكننا نختلف على مصلحة وطنية، ولا ننكر أن التمثيل السياسي الحزبي متواضع في مجلس النواب، وهذا ليس مسؤولية الأحزاب فقط، وانما يتحمل المسؤولية أيضا قانون الانتخاب، مع التأكيد أن الواحب على الجميع المشاركة في الانتخابات وليس إدارة الظهر لها.
• هل ستزور حزب جبهة العمل الإسلامي؟
– لماذا لا أزورهم؟ هم قوى سياسية وطنية لها احترامها ووزنها، ولا أجد أنني شخصيا مختلف معهم على الإصلاح في شيء.
وأعتقد فوق هذا؛ أننا نخسر كثيرا كلما انطوت الحركة الإسلامية على ذاتها، أو مورس بحقها عزل أو تهميش، ولذلك نريدها إلى جانبنا كلون سياسي مهم، وكمعارضة وطنية لا نختلف معها على شيء؛ سوى على بعض التفاصيل والمعالجات وتطبيقات مواعيد الأجندة الإصلاحية.
• لكن ماذا لو استمرت الحركة الإسلامية بمقاطعة مجلس النواب؟
– سنظل حريصين على دعوتها ومشاركتها لنا، فنحن كلنا في مركب واحد، وعليهم وعلينا جميعا أن نجلس إلى طاولة الحوار بروح إيجابية، وبتنازلات نقدمها للوطن وليس لأنفسنا أو ضد بعضنا.
• هل يمتلك مجلس النواب نية لإدخال تعديلات على قانون المطبوعات والنشر من خلال إرسال مشروع قانون معدل للحكومة، خصوصا أن القانون الحالي أثر في الحريات الصحفية في المملكة؟
– أنا لا أتصور أن مجلس النواب يمانع بإجراء تعديلات على قانون المطبوعات والنشر بما يسمح بمزيد من الحريات الصحفية، لكن هذه الطريقة ليست أقصر الطرق لإجراء التعديل، وتلك الطريقة تحتاج لأكثر من 10 أشهر، بخاصة أن الأمر بحاجة لمقترح لقانون من قبل 10 نواب، ثم إحالته على اللجنة القانونية التي تقوم بدراسته وإحالته على مجلس النواب، والذي يقوم بإحالته على الحكومة التي تحيله على ديوان التشريع والرأي، ومن ثم إقراره في مجلس الوزراء، وإرساله إلى مجلس النواب. إذن هذه طريق طويلة، أما الطريق الأقصر والأكثر فعالية، فهي أن ترسل الحكومة مشروع قانون معدل لقانون المطبوعات والنشر، وأنا شخصيا مع حرية الإعلام المسؤول، وأن يتم ترخيص المواقع الإلكترونية حتى نعرف من يملكها ومن يمكن اللجوء إليه في حال وجود تنويه أو تصحيح لمعلومة ما، وفي الوقت نفسه، أن يتم منح الإعلام حرية النقد الموضوعي البناء، وإبعاد إعلامنا عن التعرض الشخصي لحياة الناس.
• رئيس الوزراء عبدالله النسور اقترح ضم 20 نائبا للحكومة في تعديل مقبل، في إشارة لترحيبه بحكومة برلمانية، ما رؤيتكم في هذا الصدد؟
– أنا مع الحكومات البرلمانية لكن ليس الآن، أعتقد أنه في الوقت الحالي علينا أن نذهب إلى بيتنا الداخلي، وأن نشجع إنجاح تجربة الائتلافات البرلمانية، فالكتل النيابية أصبحت أكثر تجذرا وقوة بفضل التعديلات التي جرت على النظام الداخلي الجديد لمجلس النواب، وتلك الكتل إن استطاعت إنجاز ائتلافات قوية ومتماسكة تكون قد وضعت قدما على طريق الحديث عن حكومات برلمانية، على أن تحمل الحكومات البرلمانية جزءا من برامج الكتل والائتلافات، لا أن يدخل النواب الحكومة أفرادا من أجل مرور آمن للثقة أو الموازنة.
وفي اعتقادي، أن جلالة الملك يريد من تطبيقات الحكومة البرلمانية أن تنجح بأسرع وقت، لكنْ هناك ظروف موضوعية تحول دون ذلك، أهمها وضع مجلس النواب حاليا، ووضع الكتل النيابية فيه، وانخفاض نسبة الأحزاب من إجمالي أعضاء المجلس.
وأذكر هنا أن جلالة الملك يريد للحكومة البرلمانية أن تُوثَّق دستوريا بنصوص ثابتة، لكنه بانتظار أن تنضج الحياة السياسية، من خلال فرز أي انتخابات مقبلة أعضاء مجلس نيابي حزبيين.
وهو تطور ليس صعبا أن نبلغه، لكن في اعتقادي أن فرصة الائتلافات النيابية إذا نجحت، وتبلورت في سياق من سياقاتها، واستطاعت أن تجسد مبدأ حكومة ظل تعارض السياسات الحكومية على أرضية برامجية ومنهجية فاعلة، فقد يذهب صاحب الأمر في تجربة الحكومة البرلمانية، بصيغة الائتلافات الراهنة وتطويراتها في المستقبل القريب.
لا نعلم ما هو مستقبل هذه الائتلافات، وكم من الممكن أن تصمد في وجه التصدعات والانشقاقات. لكن في رأيي أننا أمام اختبارات متتالية وصعبة، وعلى الزملاء أعضاء مجلس النواب أن ينظموا خطواتهم بأداء مقنع ولافت، وفي اعتقادي أن التغيير قد يبدأ من دورتنا هذه؛ إذا تمكن مجلس النواب من ضبط نفسه، وضبط أدائه، وتعظيم الإنجاز من خلال الاستفادة من الوقت المتاح.
• كيف سيكون شكل علاقة الائتلاف بين كتلتي وطن والوسط الإسلامي مع حكومة الدكتور عبد الله النسور في فترة رئاستك لمجلس النواب، بخاصة أنكم من رشحتموه لرئاسة الوزراء؟
– ما يزال ائتلافنا وتحالفنا قائمين، وسنظل نسعى إلى توسيع دائرة الائتلاف ليضم كتلا نيابية أخرى، فأنا وزملائي مؤمنون بأن العمل الجماعي هو السبيل الوحيد لتطوير العمل البرلماني وتعظيم الإنجازات في عهد هذا المجلس. وهنا؛ فإني أجد أن هناك نفسا جديدا داخل مجلس النواب، يريد أن يُنجح فكرة الكتل النيابية والائتلافات بينها، وأتمنى أن نصل إلى فرصة أن تكون هذه الكتل النيابية أنوية تؤسس لتشكيل أحزاب سياسية في الخارج، ونكون كنواب امتدادا حقيقيا لشارع مسيّس يختار في مقبل الأيام النواب على أساس حزبي.
بذلك سنقترب فعلا من فكرة الحكومات البرلمانية، التي ينادي بها جلالة الملك. وبغير ذلك ستكون خطواتنا بطيئة، نحو الهدف المتمثل بالحكومات البرلمانية، وسنكون تأخرنا عن اللحاق بمسيرة الإصلاح التي نريدها متدرجة ومتسلسلة، لكنها بخطوات سريعة ورشيقة.
وبعد ذلك، لماذا لا يذهب مجلس النواب إلى تشكيل أطر كتلوية وائتلافية واضحة، وبعد ذلك ما الذي يمنع من أن يكلف نائب أو رئيس ائتلاف أو كتلة بتشكيل حكومة برلمانية في المرحلة المستقبلية؟
• إذن؛ أنت لست محسوبا على الحكومة؟
– أنا كرئيس لمجلس النواب اليوم، محسوب على الالتزام التي قطعته أمام من منحوني الثقة من الزملاء ومن لم يمنحني الثقة، كما أني محسوب على برنامجي الانتخابي، الذي طرحته خلال ترشح قائمة “وطن” لانتخابات مجلس النواب، وعلى برنامجي الانتخابي خلال ترشحي لانتخابات رئاسة مجلس النواب، وعلى برنامج كتلة “وطن” التي تعمل اليوم بنشاط تحت قبة مجلس النواب. وهو برنامج سياسي، يدعو إلى إصلاح التشريعات السياسية الضرورية والعاجلة، وعلى رأسها قانونا الانتخاب والأحزاب، وبلورة برنامج اقتصادي بأبعاد اجتماعية، قوامها تثبيت مبدأ العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجميع، وأقول “الجميع”.
• هل ترمي من ذلك إلى تجسيد مبدأ التساوي في الحقوق والواجبات؟
– وهل في الأمر منة؛ أو جميل، فإذا كان الدستور الأردني أقر مبدأ الحقوق والواجبات وجعلنا جميعا أمام القانون سواء، فلماذا نكون بعيدين عن هذه القيمة الدستورية الثمينة، التي يدعمها نظام سياسي مستقر ومتفق على شرعيته التاريخية.
ثم نريد أن نقول للأردنيين جميعا؛ ومن شتى الأصول والمنابت، بأن العدالة حق، وأن وظيفة المؤسسات الدستورية تطبيق الدستور وليس مخالفته.
ولكل حامل رقم وطني، حق، وعليه واجب، وعلى الحكومات أن تكرس هذا المبدأ وتسكن الطمأنينة في قلوب الجميع، فنحن بلد لا نتحدث بلغة الأقليات أو المذهبيات أو الطوائف أو الأصول والمنابت، بل نحن نعيش على هذه الأرض أردنيين يجمعنا الانتماء إلى تراب وطننا، والولاء لنظام سياسي عادل وثابت ومتوازن، له شرعية تاريخية ثابتة.
• حكومة الدكتور عبدالله النسور حصلت على أدنى تقييم للحكومات على المستوى الشعبي في استطلاعات الرأي، بسبب الحلول الاقتصادية التي انتهجتها، والتي أثرت على الشعب وعلى شعبيتها أيضا، هل تعتقد أن ذلك سيكون بداية طريق للنواب لحجب الثقة عنها.
نحن لسنا في خصومة مع الحكومة، بل نقترب من الحكومة كلما اقتربت من برنامجنا كنواب، وجلالة الملك وضح الأمر في خطاب العرش عندما قال إن الحكومة باقية إن بقيت محافظة على ثقة مجلس النواب، والمجلس باق ما دام الشعب راضيا عنه، ولذلك فإن مجلس النواب نقطة اللقاء بين الناس والحكومة، وهو لا يستطيع إغضاب الشارع الذي انتخبه، وبالتالي فإن أي سياسات من شأنها تضييق الخناق على الشعب، ستؤثر بلا شكل في النواب، وفي حجم رضاهم عن الحكومة.
صحيح أن الحكومة فعلت الكثير من أجل تعديل مسار الموازنة، بيد أن ذلك لا ينفي أن العجز ما يزال في ازدياد، والفقر في ازدياد، والمدينوية في ازدياد، والبطالة في ارتفاع، وبالتالي يأتي دور النواب لنقل هموم الناس وما يعانونه، ولهذا على الحكومة الاقتراب من مجلس النواب والتعامل بندية معه.
• ما هو مفتاح الإصلاح الاقتصادي من وجهة نظركم؟
– المفتاح، هو العدالة الاجتماعية في توزيع موارد الدولة على المحافظات كافة، وعدمها أثر سلبيا على تطور المحافظات عموما، وعندما نتحدث عن استعلال الثروات الطبيعية في المملكة نتساءل عن سبب عدم توقيع اتفاقيات مع الشركات المهتمة بتلك الثروات، ولماذا يتم التباطؤ في التوقيع، فهناك معادن مدفونة في الأرض، يتوجب أن يتم التعامل معها على نحو سريع.
• إذن، هل سيعدل المجلس النهج الاقتصادي للحكومة، وبخاصة أنها تفكر برفع أسعار الخبز، ومستمرة برفع أسعار الكهرباء، وتريد إرسال قانون ضريبة دخل جدلي للحكومة، فكيف سيؤثر المجلس على تلك التوجهات؟
– أتصور أن الحكومة تدرك جيدا أنها كلما اقتربت من المجلس، كان ذلك أفضل كثيرا، ولا يوجد شكل واحد للعلاقة بين المجلس والحكومة، فبما أن الحكومة تبدي تعاونا مع المجلس، ستكون العلاقة ودية وناجحة، أما إن استمرت في سياساتها الأحادية، فإن العلاقات مع المجلس ستكون متوترة، ومتوترة جدا.
نحن في كتلي “وطن” وحزب الوسط الإسلامي، كنا بيضة القبان في اختيار اسم رئيس الوزراء المكلف، وفي التصويت بالثقة عليه، لكنه خالف التوافقات معنا في أكثر من مناسبة.
ما نريده اليوم، أن يقنع رئيس الوزراء المجلس بسياساته الاقتصادية، فليس معقولا أن تظل سياسة رفع الدعم عن السلع والخدمات قائمة، في وقت ما تزال فيه أرقام النمو والتنمية على حالها، كما أن أرقام الفقر والبطالة لا تغادر مكانها، والمديونية في ارتفاع والعجز يتصاعد.
كلنا في المجلس والحكومة في مركب واحد، لكن الشارع ينتظر منا أداء متوازنا في الملفات جميعها، وجلالة الملك تبنى طروحات إصلاحية اقتصادية كثيرة، وعلى الحكومة الالتزام بالمبادرات الملكية التي تجسد فكرة التنمية الشاملة والمستدامة، وعلينا كمجلس دعم مثل هذه التوجهات، التي تصب دائما وأبدا في صالح الوطن والمواطن.
بذلك سيتفهم المواطن أن الحكومات إن سحبت جزءا من الدعم على السلع والخدمات، فإنها ما تزال تقدم دعما تنمويا للقطاعات والفئات خارج حدود مراكز المدن.
باعتقادي لو أن الحكومة تقدم على تنفيذ منهجية جلالة الملك في الإصلاح الاقتصادي، فسنكون جميعا بخير وفير، أما أن تختصر الحكومة الطريق برفع الأسعار، ومن دون أن تقدم بدائل أخرى أو أن تحسن ظروف المواطن خارج العاصمة، فإننا جميعا سنكون في مواجهة صعبة مع الحكومة.
لذلك، سنظل نسأل عن صندوق تنمية المحافظات، ومستقبل المشاريع الممولة منه، وسنظل نسأل عن فرص إمكانية توزيع مكتسبات التنمية بعدالة اجتماعية ومساواة بين الجميع.
أما بغير ذلك، فسنكون وجهنا بطاقة دعوة مجانية للحراك ليعود إلى الشارع، ونبدد كل فرص الاسترخاء التي يمنحنا إياها الحراك، من أجل إعادة ترتيب أوراق الوطن، والمضي في برنامج الإصلاح الشامل.
•هناك انطباع يقول إن وضع الحكومة في المجلس صعب جدا، فهل هذا صحيح؟
– قد يكون الوضع أخطر مما كان سابقا، وهناك إحباط كبير في صدور النواب، وقلت لرئيس الوزراء إننا سنعقد ثلاث جلسات، اثنتان في التشريع، وثالثة ستكون حول الرقابة، وعلى الحكومة الاستعداد لجلسات الرقابة.
• هل وصلتكم مذكرات لحجب الثقة عن الحكومة؟
– لم تصلني أي مذكرة بهذا الشأن، وأعتقد أنه ليس من أولويات هذا المجلس إسقاط الحكومة، وأمامنا استحقاق دستوري يتمثل بتعديل العديد من القوانين، لتتوافق مع أحكام الدستور.
• هل تعتقد أن انتخابك كرئيس للمجلس، وأنت القادم على رأس كتلة نيابية، هو شكل من أشكال التغيير في المجلس؟
– نعم؛ وهنا أود أن أسجل الفضل للزملاء النواب، الذين كانوا السباقين في تطوير ماكينة التغيير في المجلس السابع عشر، فقد كان الاعتقاد السائد بأن الأفضلية يجب أن تكون لتطوير الكتل، وتمكينها من أدائها البرلماني، ولذلك كان هناك تجاوب كبير في صناعة التوافق.
ثم إن فكرة الائتلافات النيابية، دعمت مرشحي الكتل، لا المستقلين، طبعا لا أقول إن تجربة الائتلافات نجحت نجاحا باهرا، لكنها أسست لقواعد العمل الكتلوي وليس الفردي.
• كنت تنوي الترشح للدورة غير العادية لرئاسة المجلس، ولكنك لم تفعل، وكان ذلك كما قيل بسبب وجود فايز الطراونة في رئاسة الديوان الملكي، وفي الدورة الاولى ترشحت برغم بقاء الرجل في موقعه فما الذي تغير؟
– عندما كنت أنوي الترشح في الدورة غير العادية لرئاسة المجلس، كان الحراك الأردني والربيع العربي مستمرين، ولم يكن هناك مجال لشرح وجهة نظري وموقفي وفكري مما أريد فعله، وأن ترشحي لموقع رئيس المجلس، يأتي من كوني منتخبا من قبل الشعب وليس موظفا، وعندما لمست أن الأمور هدأت قليلا وأنه يمكن للمراقب والمتابع والمواطن أن يقتنع بوجهة نظري، اقدمت على الترشح بصفتي منتخبا من الناس، لا موظفا، ونجحت.
• هل تشعر بأن أقطاب المجلس، سيلعبون دورا في معارضة رؤيتكم كرئيس له؟
– لا أتوقع ذلك، ولا أعتقد أنني هدف من قبلهم ليسعوا لإفشالي، وإنما نحن جميعا في المجلس، هدفنا المصحلة العامة، والمجلس مؤسسة تشاركية جماعية، وسأسعى للحصول على مشورة أقطابه، وإن أخفقت في أمر نتيجة حداثة التجربة، فهم مرجعية في المجلس ولن يخذلوني.
• هناك من قال إن المال السياسي استخدم في انتخابات رئاسة المجلس النواب؟
– أعتقد أن كل شخص يملك دليلا على هذا القول، فعليه ان يذهب فورا للقضاء، وألا يصمت، اما اطلاق الشائعات جزافا، فيعني ذلك اغتيالا للمؤسسة التشريعية، ونحن ائتلاف نيابي مكون من 35 نائبا، لم نأخذ تلك الممارسة بالاعتبار، ولم نسمع بها، ولا يساورني أدنى شك بأنه قد حصل مثل تلك الممارسات الشائنة، ولكني لم أسمع بها من أي نائب.
• هل لمستم أي تدخل من أي جهة في انتخابات رئاسة المجلس؟
– لم نلمس ولم أسمع من نواب آخرين، أنهم لمسوا تدخلا من أي جهة كانت في انتخابات رئيس المجلس والمكتب الدائم.
• هنالك من طعن في انتخابات النائبين الأول والثاني لرئيس المجلس بسبب ضبابية التشريع؟
– المجلس سيد نفسه، وأنا استشرته في ذلك قبل الذهاب لانتخاب النائبين الأول والثاني، وهو قرر أن من يفوز بأعلى الاصوات يصبح نائبا أول، والحال ينطبق على النائب الثاني، وهذا ما جرى.
• تحدث مراقبون عن ضعف خبرة أعضاء المكتب الدائم، وأن ذلك سيؤثر على عمل المجلس.
– لا يمكن لي أن أقر بضعف خبرة زملاء لي، خصوصا وأننا نحاول صنع آليات لاتخاذ القرار في المكتب الدائم، تجعل احتمالات هوامش الوقوع بالخطأ في أدنى مستوياتها.
لكن إن سألتني هل في اختيار أعضاء جدد للمكتب من مزايا، لقلت لك نعم؛ فنحن أمام فرصة تاريخية لاستعادة هيبة المجلس، وتعزيز علاقته الإيجابية المبنية على الثقة مع الشارع، وذلك عبر زملاء جدد، على أن يرتقي أداؤهم لطموحات الشارع وتطلعاته، ومتطلبات المرحلة السياسية الراهنة.
• هناك مشكلة في اللجان النيابية، تتمثل بتحقيق نصاب الاجتماعات، وغياب خبرات وكفاءات عن بعض اللجان، وهناك لجان نيابية في الدورة الماضية كانت شبه معطلة؟
– قد يكون في هذا القول مبالغة كبيرة. اللجان النيابية تعمل وتنشط وتجتهد، لكن المشكلة الكبرى تتمثل في تراكم مشاريع القوانين ذات الأولوية عند المكتب الدائم.
لكن الأهم اليوم؛ أن هناك حراكا نيابيا مسؤولا، يسعى لتوزيع اللجان على الكتل النيابية وفق الكفاءة والاختصاص، وقد لا ننجح في صناعة التوافق التام على هذه الفكرة، لكن باعتقادي أننا سنقتصر انتخاب اللجان والتوافق ضمن حدود وعدد قليل منها.
فنحن مع المستقلين في المجلس، نكون تسع كتل، كما أنه من السهل توزيع اللجان الـ20 على 9 كتل، ولكن وفق الكفاءة والتميز في رئاسة اللجنة ونائب الرئيس والمقرر.
• قد يكون عليكم عبء توجيه الإعلام نحو مناقشات اللجان النيابية، ونقل مناقشات النواب على الهواء تلفزيونيا، وبخاصة أنه يوجد من يعتقد أن النقل التلفزيوني سيجعل النائب أكثر شعبوية؟
– أنا لا اتفق مع من يقول إن النائب يسعى لشعبوية، فالبث التلفزيوني والتركيز الإعلامي سيكون باتجاه اللجان أيضا حتى يعرف الناخب ماذا يفعل نائبه في المجلس، ونحن بصدد إعداد خطة إعلامية متكاملة تتيح أكبر مساحة متابعة لأداء المجلس تغطي المملكة ووسائل إعلامها.
كما سنُفعل موقع المجلس الإلكتروني، ليكون موقعا تفاعليا، يرصد تعليقات المتابعين على مشاريع القوانين التي تناقش في اللجان النيابية أو تحت قبة المجلس، وسنرصد تعليقات المهتمين أولا بأول، لنكون شاركنا المواطن؛ بشكل أو بآخر، في مناقشة التشريعات المختلفة.
ونريد من الإعلام أن يكون رقيبا على المجلس، وقد يكون هنا علينا واجب كبير في توجيه الإعلام نحو مناقشات اللجان، وعندها قد يجد الزملاء مسؤولية كبيرة في الحضور، كونهم سيكونون تحت مجهر الإعلام ونقده، وقد ننجح في الالتزام بالحضور والمناقشة في اللجنة، ونسعى لتوفير بيئة ملائمة، تجعل من المناقشة في اللجان وتحت قبة المجلس ذا أهمية وأثر؛ وسنستفيد من جل وقت المجلس في دورته العادية المنعقدة.
• ماذا ينتظر المجلس من تطويرات على نظامه وأدائه؟
– سنفعّل تطبيقات النظام الداخلي بأصولها ومن دون محاباة أو تضليل، وسيكون للمكتب الدائم الدور الأبرز في صياغة عمل المجلس، بالاتفاق مع الكتل واللجان، وسيكون ترتيب مناقشة التشريعات ووضعها على جدول الأعمال وفق الأولويات، وبما يخدم حاجات المواطن في تنظيم أعماله اليومية ومعيشته. ولن يكون هناك أي تقديم على مصلحة الوطن والمواطن، لأنهما أساس عملنا الدستوري.
وسيكون لأعمال لجنة النزاهة دور مهم في الفصل بين الإشاعة والمعلومة الموثقة في قضايا الفساد، وسنفعّل دور اللجان النيابية في هذا المجال.
لكن الأهم من كل ذلك، اقتناع الشارع بحيادية المجلس في التعامل مع هذه العناوين، وبغير ذلك، سنكون خسرنا جولة مهمة من جولات استعادة ثقة الشارع بالسلطة التشريعية ودورها الدستوري.
• في العام النيابي الأول لهذا المجلس حدثت مشاجرات بين نواب برزت فيها ألفاظ نابية، ومعارك وصلت أحيانا لحد اطلاق النار، هل تعتقد أن الأداء النيابي في العام الثاني سيكون أكثر انضباطية؟
– قد يكون لبعض النواب أخطاء أثرت على صورة المجلس ككل أمام الشارع، ولكي لا نظلم مؤسسة المجلس السابع عشر، فإنها مصممة على استعادة مكانة السلطة التشريعية الدستورية والشعبية. وكنت اتمنى ألا تكون هذه السمة التي تميز المجلس، ولكن أحيانا يؤثر تصرف فردي على صورة المجموع، وفي هذا ظلم بحق المجلس.
أنا أرفض أن تظلم مؤسسة المجلس وأن يجري التعرض لها، وأنا هنا لا أرفض النقد الفردي لسلوكيات بعض النواب، بل أرفض التعدي على مؤسسة المجلس كسلطة تشريعية. وأعتقد أن المجلس سيكون أكثر انضباطية بعد التعديلات التي أجريت على النظام الداخلي للمجلس.
• هناك في الدولة مجلس سياسات، تحضره قيادات عليا، هل تعتقد أنه من الضروري أن يكون المجلس مشاركا فيه؟
– دورنا تشريعي ورقابي ونحن سلطة مستقلة، والملفات السياسية يحملها جلالة الملك، وقد نجح جلالته بوضع الأردن في مستوى عالمي متقدم، وحمل جلالته ملف القضية الفلسطينية، وصعد بها أدوارا متقدمة، وتحدث عنها في المحافل الدولية، والمجلس يراقب الحكومة ويشرع، وبالتالي يقوم بواجبه على نحو كامل.
• هل تفكرون بدور للمجلس، يكون له مبادرات على مستوى الإقليم؟
– باعتقادي فإن أعضاء المجلس، مرتاحون تماما، ومطمئنون جدا لإدارة جلالة الملك لملف السياسة الخارجية، وهنا؛ لا نقول ذلك تملقا أو نفاقا، بل بالفعل؛ فإن جلالة الملك كان لمواقفه الحكيمة صدى دولي مؤثرا، خصوصا خلال الأزمة السورية، وحصد دعما دوليا لمواقف الأردن مع السلطة الوطنية الفلسطينية ودعمها ضد تعنت الجانب الإسرائيلي وغطرسة سياساته الأحادية.
لذلك لا أعتقد أن هناك مواقف نيابية مخالفة لهذا النهج السياسي الحكيم والملتزم بثوابت الدولة الأردنية القومية والدينية. لكن بإمكان اللجان كلجنة الشؤون الخارجية، ولجنة فلسطين مساندة مواقف جلالة الملك ودعمها.
أما على صعيد المواقف من أحداث الإقليم، فالمجلس له حرية التعبير عن مواقفه، لكن بشرط أن يكون هذا التعبير خاضعا للعملية الديمقراطية، أما المواقف الفردية، فهذا شأن شخصي يستطيع كل نائب أدارته وفق قناعته بمواقفه.
• وماذا عن مصر وسورية بالتحديد؟
– نحن نتطلع للدول العربية على أنها عمق استراتيجي للأردن، وخصوصا دول الجوار، لكن المشكلة في أثر الأزمة السورية والمصرية علينا، هو في مدى التكامل التجاري والاقتصادي بيننا وبين هاتين الدولتين، فالاقتصاد السوري كان داعما لقطاعات تجارية وصناعية واسعة لنا، وأما الغاز المصري وأزمة انقطاعاته، فأثرت على عجز موازنتنا على نحو كبير ومؤثر، لذلك سنظل حريصين على استعادة الأمن والاستقرار في هذين البلدين، ونريد لهما أن يعودا لحضنهما العربي مطهرين من وزر الخلافات العربية العربية، التي نشأت نتيجة الأحداث أكان في مصر أم في سورية.
• وماذا عن دول الخليج؟
– لا يمكن لعاقل إنكار مواقف هذه الدول العربية الأصيلة في دعم المملكة، لكننا قد نحتاج اليوم لدعمهم أكثر، لمواجهة ظروفنا الاقتصادية الصعبة، خصوصا وأننا صرنا ندفع فاتورة باهظة لاستضافة اللاجئين السوريين. واستطيع القول إن أشقاءنا في دول الخليج، وبالتحديد في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت والإمارات العربية المتحدة، ما يزالون يقومون بدورهم الأصيل في دعم الأردن نظاما وشعبا، لكننا ما نزال ننتظر منهم دعمهم للاقتصاد الأردني في مواجهة التحديات الراهنة الحرجة والدقيقة.
• هل تجد في الأفق حلا للقضية الفلسطينية؟
– قد لا أجد أي بصيص أمل في ذلك، لكن هذا لا يعني أننا لا ندعم جهود عملية السلام، في وقت ما نزال فيه ننادي بالحقوق الفلسطينية، التزاما بمسؤولياتنا التاريخية تجاه الشقيق الفلسطيني.
لكن أخشى أن يذهب التعنت الإسرائيلي لناحية فقدان الأمل بأي عملية سلام، تأتي بتسوية عادلة وشاملة، تعيد الحقوق التاريخية للشعب الشقيق الفلسطيني. ولذلك ندعم جهود جلالة الملك في هذا السياق، ونتمنى أن تنجح الضغوط الدولية والأميركية على اسرائيل.
• هل تعتقد أن استمرار الأزمة السورية وإطالة أمدها سيؤثر على فرص التسوية النهائية للصراع العربي الإسرائيلي؟
– ما أخشاه بحق، هو استمرار الاقتتال السوري السوري، ودخول التطرف على خط الأزمة هناك، وهو ما سيؤثر على الملفات العربية جميعها، فسورية دولة عربية مؤثرة، ولها وزنها الإقليمي، واستمرار الفوضى فيها يفتح على احتمالات صعبة، ليس أقلها التقسيم وفقدان سيطرة الدولة وهدم المؤسسات السورية على رأس الجميع.
نريد حلا سياسيا للأزمة السورية، يكفل توافق الجميع على مخرج آمن خال من الدماء والدمار، ويحفظ وحدة سورية أرضا وشعبا ومؤسسات./ الغد