العزب الطيب الطاهر/القدس في طريقها للضياع من يتحمل المسئولية ؟

القدس في طريقها للضياع – إن لم تكن قد ضاعت بالفعل – ومسجدها الأقصى في سبيله إلى التقسيم والأشقاء العرب مشغولون بأوضاعهم الداخلية وصراعاتهم السياسية وأزماتهم التي نتجت عن ثورات ربيع ما زال بطيئا في مردوده على الشعوب ولكن النخب في بلدان هذا الربيع وغيره مصرة على أن تتوكأ على عصا الانقسام ولا يهم أن تغيب القدس العربية الإسلامية عن الخارطة ويفقد الأقصى هويته وخصوصيته.

هذا ما انتابني من مشاعر وأحاسيس عندما كنت جالسا في المقاعد المخصصة للصحفيين والإعلاميين مساء الأحد قبل الماضي بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية متابعا لوقائع الاجتماع الطارئ لوزراء الخارجية العرب لمناقشة بند واحد يتمثل في الإعداد لمؤتمر جنيف 2 وتطورات الوضع في سوريا غير أن وزير الخارجية الفلسطيني الدكتور رياض المالكي فاجأ الاجتماع بطلب الحديث عن أوضاع القدس وأظنه أراد بذلك أن يوجه رسالة لأشقائه من وزراء الخارجية العرب الذين شدوا الرحال لأزمة سوريا وشعبها بأن ينتبهوا أيضا للقدس ومسجدها الأقصى لأنه لو تلاشت من الوجود ودخلت منطقة العدم من فرط الهيمنة الصهيونية التي تصر حكومة المتطرف الأكبر بنيامين نتنياهو على فرضها عليها – مثلما يحدث الآن – فإنه لن يكون ثمة وطنا عربيا حتى وإن ظهرت دوله كنقاط على الخارطة فوقتها لن تكون سوى مسخ وتابع للكيان الصهيوني لأن القدس ومسجدها الأقصى هي رمانة الميزان في الوجود العربي.

لقد بدا لي الدكتور رياض المالكي يصرخ متوجعا متألما وهو يرى المخطط الصهيوني لتهويد القدس والسيطرة على مسجدها الأقصى دون أن يكون هناك أي حراك سوى بيانات شجب أو إدانة تصدر من هذا الطرف أو ذاك وتلك معضلة العرب الرئيسية فهم يدركون حقيقة المخاطر التي تواجه المدينة المقدسة ولكنهم يفتقرون إلى الوسائل والآليات التي تعينهم على وقفها وبالتالي ليس لديهم خيار سوى الصراخ عبر البيانات وهي جاهزة ومعدة في أروقة وزارات الخارجية ولا تكاد تتغير في مضامينها عاما بعد عام أو من دولة إلى أخرى.

ولاشك أن ما طرحه أمام نظرائه العرب ينطوي على حقائق مذهلة تستوجب التحرك سريعا لإجهاض مخططات حكومة الكيان الصهيوني والتي تعمل على تهويد القدس وتقسيم الأقصى مستغلة الصمت العربي والإسلامي والدولي التام في مقدمتها أن نائب الوزير في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي أوفير أكدنيس كشف مؤخرا عن لائحة رقمية تضم مواقع في الضفة الغربية والقدس حيث سيتم بناء أكثر من 5000 وحدة استيطانية جديدة فيها، تنفيذا لأوامر شخصية من نتنياهو،وذلك تزامنا مع قضية الإفراج عن الدفعة الثانية من أسرى ما قبل أوسلو في حين كان قد تم الأسبوع الماضي الإعلان عن بناء 1859 وحدة استيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس.

ومن هذه الحقائق كذلك أن نتنياهو اتفق مع وزير داخليته “جدعون ساعر” للإسراع في بناء أربع مشاريع استيطانية كبرى في القدس الشرقية بما فيها العمل الفوري على بناء مركز تهويدي ضخم جنوب المسجد الأقصى في مدخل بلدة سلوان باسم “مركز قيدم” وإقامة حديقة وطنية توراتيه على سفوح جبل المشارف شمال المسجد الأقصى والبلدة القديمة في القدس المحتلة.

كما أنه – أي نتنياهو – أوعز بالعمل فورا لإقامة الهيكل التوراتي على حساب الأراضي الفلسطينية التي لا تبعد سوى أمتار عن جنوب الأقصى لينضم إلى مشروع التهويد والاستيطان لبلدة سلوان، والبؤرة الاستيطانية المسماة “مركز الزوار” أو “مدينة داود” حيث الحفريات والإنفاق التي تتصل بحيط وأسفل المسجد الأقصى.

ومن بين هذه الحقائق التي أشار إليها وزير الخارجية الفلسطيني أنه فور انتخاب “نير بركات” رئيسا لبلدية الاحتلال في القدس بدأ حملة مسعورة لهدم بيوت المقدسيين بالجملة كما حدث في هدم بناية عائلة الشوبكي وبيت عائلة قرش وغيرهما لتغيير معالم المدينة المقدسة والسيطرة على الأراضي بما فيها أراضي الأوقاف، والممتلكات، الأمر الذي سيؤدي إلى تهجير آلاف المواطنين الفلسطينيين المقدسيين إلى خارج القدس كاشفا في هذا الصدد عن أن نشطاء من حزب الليكود يطلقون على أنفسهم “منهيجوت يهوديت” (قيادة يهودية) قاموا بإعداد مقترح تحت اسم مشروع قانون منظم للمحافظة على جبل الهيكل كمكان مقدس وسلموه إلى وزير الأديان الإسرائيلي يهدف إلى نزع السيادة الإسلامية عن المسجد الأقصى ونزع كامل صلاحيات دائرة الأوقاف الإسلامية في كامل مساحة المسجد الأقصى وتبديلها بمفوض خاص من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي،وبالتالي يصبح المسجد الأقصى بموجب هذا المشروع تابعا لوزارة الأديان الإسرائيلية بل ومن المواقع اليهودية المقدسة وتحت صلاحية هذه الوزارة وضمن حدود وقوانين الأماكن اليهودية المقدسة، حيث يتم تقنين تقسيم المسجد الأقصى زمانيا ومكانيا فمن حيث الزمان سوف يتم تخصيص ساعات محددة لليهود للصلاة بالمسجد الأقصى وسيمنع أي مسلم من الدخول في تلك الأثناء، ومكانيا سوف تخصص أماكن محددة داخل المسجد وساحاته لتكون مخصصة للصلاة لليهود فقط وهذا هو التقاسم الأولي للمسجد الأقصى بين اليهود والمسلمين كخطوة أولى تجاه السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى.

وهنا ينبه المالكي إلى أن المقترح يقوم على تقاسم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود وتحديد مساحات لكل منهما بينما هو في الأساس يعتبر كامل مساحة المسجد مقدسا يهوديا ومعبدا ويسميه “جبل الهيكل” أو “جبل المعبد” ولكن نظرا للظرف الآنية فإنه يقبل بأن يتم تقاسم المسجد الأقصى على أن يتم الدفع باتجاه جعله في النهاية هيكلا ومعبدا ثالثا خالصا لليهود.

ووفقا للوثيقة التي حصلت عليها مؤسسة الأقصى للوقف والتراث والتي عرضها المالكي فإن المقترح هو أن الجامع القبلي المسقوف، هو فقط المسجد الأقصى وفيه فقط تؤدي صلوات المسلمين ويحدد بأن كامل مساحة صحن قبة الصخرة والجهة الشرقية منه هو مقدس يهودي خالص، على أن تخصص مساحة تشكل نحو خمس مساحة المسجد الأقصى كمساحة للصلوات اليهودية فيها بل ويعتبر كل مساحة المسجد الأقصى مساحة للصلوات اليهودية الصامتة أي من دون رفع الصوت أو استخدام الأدوات المقدسة.

وتشير هذه الوثيقة إلى إمكانية زيادة الأوقات والمساحات التي يمكن أن تؤدى فيها الصلوات اليهودية بل وتجعل إمكانية اقتحام ودخول الأقصى من قبل اليهود من جميع الأبواب وفي جميع الأوقات وارد، وتمنح المفوض من سلطات الاحتلال صلاحيات تحديد مساحات من المسجد لدخول اليهود فقط بالإضافة إلى جملة من المحظورات والممنوعات منها منع أعمال الترميم والصيانة للمسجد حيث اعتمد كلمة منع “المبيت” بدلا من “الاعتكاف”.

ولعل من أخطر الحقائق ما ينفذه الكيان الصهيوني من خطة عن طريق بلدية القدس تسمى بـ 2020 وبموجبها سيصبح عدد السكان الفلسطينيين العرب داخل القدس الكبرى أقل من 23% من مجموع عدد السكان العام، وذلك من خلال مجموعة من الإجراءات والقوانين والفعاليات والسياسات والطرد والإهمال والتشريد.. فمتى يستيقظ العرب ومعهم المسلمون لإنقاذ القدس ومسجدها الأقصى؟

السطر الأخير: الغضب الساطع آت

فمتى تهب رياحه؟

شاهد أيضاً

بغض النظر عن الأسباب ودوافع لعملية السابع من أكتوبر فقد وقعة الواقعة ولا مبرر لجلد الذات* عمران الخطيب

عروبة الإخباري – عندما كانت “إسرائيل” تعد العده لاقتلاع منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان كان …

اترك تعليقاً