يتسيد القلق حالة الكثيرين من المثقفين العرب عند محاولتهم البحث عن مخرج من المأزق العربي المتمثل، اليوم، بما صرنا نسميه بحروب «الربيع العربي»- وهي الحروب التي دمرت كلا سوريا والعراق، وما تزال يستعر أوارها في ليبيا وتونس واليمن والسودان، وحتى في مصر، بكل ما لمصر من ثقل سياسي وسكاني وثقافي عربي.
إنها حرب شاملة تدل كافة المؤشرات على أنها تستهدف تفتيت دول المنطقة العربية كلها، لمكونات تحدث بها المؤتمر الصهيوني الذي عقد في ألمانيا سنة/1973؛ واستأنفه المحافظون الجدد سنة/2006 (مقال الجنرال رالف بيترز، مجلة القوات المسلحة الأميركية، بعنوان «حدود الدّم- نحو نظرة افضل للشرق الأوسط.» ثم أطلقت كوندوليسارايس، وزيرة خارجية بوش الإبن، مشروعها» الفوضى الخلاقة» القاضي بتحويل المنطقة العربية لتقبل أفكار بيترز.
«والفوضى الخلاقة،» عنوان بليغ -لنعترف- لحالة سياسية عربية تتمرد، اليوم، على كل حل، أو جهد مخلص للخروج منه. فقد هيئت الساحة العربية لها، على مهل، منذ سنة 1982، على الأقل، بعقود لا بد أن تم التوصل إليها بين كل مكون طائفي أو عرقي أو ديني داخلي في الدول العربية وبين دول إقليمية أو دولية، بما جعل أمن المكون الواحد مربوطا بتلك الدولة غير العربية ومصالحها وليس بأمن واستقرار المجتمع حولها، مما جعلها أشبه بقنبلة مزروعة جاهزة للتفجير، غب الطلب.
ثم تفجرت، كما رسم لها، احترابا، فحروبا، بين العرب السنة والشيعة والعلويين والنصيرية والأكراد والإسلامويين قاعدة كانوا، أم إسلامويين مرتبطين بتنظيم دولي خارجي، عاملين، دائما، على استغلال الدين في مشاريعهم السياسية، غير الدينية، أصلا.
يستقرئ بعض هؤلاء المثقفين (عبد الحسين شعبان، واحدا،) تجارب أمم ابتليت بحروب كحروبنا قبل أن تستقر على حال سياسي ما. درسوا تجارب تشيلي بعد أليندي، والأرجنتين بعد حرب الملاوين، وأوروبا الوسطى والشرقية بعد سقوط الشيوعية. وقد أدى بحثهم لاستخلاص عام بأن سبب بقاء تلك الدول واستئنافها حياتها السياسية كان أن جيوشها لم تتدخل في السياسة وبقيت تابعة للحكم المدني، فخرجت محتفظة بكل أسلحتها وهيبتها وثقة الناس بها، فحافظت على وحدة دولها، أرضا وشعبا وقدرة سياسية عامة.
لكن أحدا منهم لم يفكر بعد بدراسة تجربة المملكة الأردنية الهاشمية، كتجربة عربية قد تنير لهم الطريق. فهي تجربة فريدة في أنها خرجت منتصرة، عبر نيف وتسعة عقود، من كل التحديات العسكرية والأمنية والاقتصادية والسياسية، التي واجهتها.
كما خرجت منها قواتنا المسلحة والأجهزة الأمنية، التابعة، أصلا، للحكومة المدنية، محتفظة بأسلحتها وهيبتها وثقة الناس بها. والتجربة الأردنية، في هذا، تتفق واستخلاصات المثقفين في دراستهم المذكورة.
لكنها تتفرد بصفة رئيسة أخرى. فالملك الهاشمي يقف في قمة نظامنا السياسي يراقب ويوازن، دائما، بين كافة مصالح القوى السياسية والاجتماعية، وفق مبادئ الدستور، العقد السياسي والاجتماعي بين الأردنيين، ويتحدث، للجميع، بصوت مصالحة وطنية يثقون به ويجمعون على الوقوف احتراما له، ونجح فيما نحن نعيشه اليوم في بلادنا من استقرار وأمن.
أليس هذا هو ما ينقص دولا عربية تصطلي بحروب لامعقولة ولا هدف لها؟ ليبجث الباحثون، إذن، في كل من هذه الدول، عن الصوت الجامع فلعل المحتربين يتخذونه حكما بينهم يجمعون عليه فيرأب صدوعهم معهم.
فالح الطويل/البحث عن مخرج
22
المقالة السابقة