ألقى سمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في يوم الخامس من شهر نوفمبر الحالي أول خطاب له أمام مجلس الشورى منذ توليه في الخامس والعشرين من شهر يونيو من هذا العام مهام القيادة السياسية لحكم البلاد وإدارة شؤونها، وقد تناوله الكثير من أعضاء السلك الدبلوماسي العربي والأجنبي المعتمدين في الدولة وكذلك القيادات الإدارية في البلاد وجمهور من الذين تابعوا الخطاب حضورا أو على وسائل الإعلام بالشرح والتحليل وليس عند الكاتب ما يضيف في شرح الخطاب وتحليل مفرداته إلا أنني أتوقف عند عدد من النقاط التي لابد من تناولها في هذا السياق.
(1)
سمو الأمير الشيخ تميم هو أصغر حاكم عربي سنا، تولى الحكم وعمره 33 عاما بعد تنازل والده سمو الأمير الوالد الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، ولا شك بأن تنازل الأمير الوالد لولده دون علة تعيق استمرار الوالد في الحكم أحدث ضجة كبيرة في الخليج العربي خاصة والعالم العربي عامة بين أوساط النخب السياسية. لم يأت تولي سمو الشيخ تميم الحكم من فراغ فقد اكتسب خبرة في إدارة الدولة على مستوى الداخل والخارج عندما كان وليا للعهد، كانت ملفات الدولة بين يديه يديرها بكل الصلاحيات تحت إشراف معلمه الأول والده حفظه الله.
في أول إطلالة له بعد أن تسلم مقاليد الحكم وتلقي البيعة من أفراد الشعب ألقى خطابا عبر وسائل الإعلام بكل أنواعها حدد فيها برنامج عمله في إدارة الدولة داخليا وتوجيه سياستها الخارجية معلنا “تمسكه بسياسة بلاده الخارجية والتزاماتها الدولية” التي وضع قواعدها ورسخ أهدافها سمو الأمير الوالد، بمعنى التزامه بكل المعاهدات والاتفاقيات الدولية والعمل على إصلاح جامعة الدول العربية وكذلك منظمة الأمم المتحدة خاصة مجلس الأمن الدولي الذي يحكم من قبل الخمسة الكبار المنتصرين في الحرب العالمية الثانية عام 1945، والالتزام بالمبادئ السامية لحركة عدم الانحياز، ومنظمة التعاون الإسلامي التي كانت تعرف بمنظمة المؤتمر الإسلامي، ولا شك دعم وتقوية دور منظمة مجلس التعاون الخليجي سعيا لتحقيق وحدة المنطقة ليس بمفهوم الاندماج وإنما بمفهوم توحيد السياسة الخارجية في كل ما يعود بالنفع والمحافظة على الاستقلال والسيادة لدول الخليج العربي، وتقوية قوات درع الجزيرة لتكون القوة الضاربة في المنطقة من أجل مواجهة أي أطماع في دول المجلس من أي قوة خارجية، وتوحيد الاقتصاد عن طريق توحيد العملة الخليجية والمالية العامة. وقال سموه في ذلك الخطاب آنف الذكر في الشأن الداخلي “إن قطر ستبقى كعبة المضيوم” عبارة قالها مؤسس الدولة الشيخ جاسم بن محمد بن ثاني ورددها سمو الأمير الوالد في خطاب له أمام مجلس الشورى قبل تنازله عن الحكم لصالح ابنه الشيخ تميم.
(2)
في خطابه المشار إليه أعلاه أمام مجلس الشورى أكد أن قطر لن تتخلى عن الشعب السوري الشقيق، وبذلك القول قطع الطريق على كل الشائعات بأن قطر تخلت عن مواقفها تجاه سوريا الحبيبة، كما أكد مفاوضات “جنيف 2” التي تهدف في نهاية المطاف إلى تحقيق مطالب الشعب السوري في اختيار نظام حكمه وجلب كل من مارس عليه العنف والقتل والتشريد إلى ساحات القضاء العادل النزيه داخليا بعد أن تضع الحرب أوزارها أو في ساحة القضاء الدولي “أي محكمة الجنايات الدولية”.
في الشأن الفلسطيني أكد سموه أن المسألة الفلسطينية محور اهتمام السياسة الخارجية القطرية وأنه يجب رفع الحصار عن قطاع غزة وإتاحة الفرصة لأهل القطاع بالحياة الحرة الكريمة، وأنحى باللائمة على الأنظمة العربية في تقصيرهم غير المبرر بحق القضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وأكد أن الانقسام الفلسطيني يضعف كل الجهود الفاعلة من أجل نيل الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة، وللعلم فإن دولة قطر قد بذلت كل جهودها لإصلاح ذات البين (حركة حماس، وحركة فتح) ولكن كانت حركة فتح تخل بكل اتفاق لارتباطها الوثيق باتفاقية أسلو الموقعة بين حركة فتح وإسرائيل عام 1993 والتي تمردت عليها إسرائيل أو أكاد أقول جمدت إسرائيل تلك الاتفاقية من طرف واحد.
(3)
في المجال الداخلي كان خطاب سمو الأمير تميم شاملا كل المجالات خاصة التعليم والذي خُصّص له 13.4% من ميزانية 2013 كما حظي القطاع الصحي بـ 13% من الإنفاق العام، مؤكداً سموه على دور القطاع الخاص كشريك في التنمية وتنوع مصادر الدخل. لقد كان نظام الاحتكار وارتفاع مستوى الأسعار نقاط الارتكاز في مشروعه الاقتصادي مع إيمانه بالتنافس الشريف في هذا المجال من أجل سعادة المواطن واستقرار حياته الاجتماعية، وأشار سموه إلى أنه شكل لجنة حكومية لغرض اقتراح الحلول للسيطرة على التضخم الداخلي أو المستورد وناشد أبناء الشعب عامة ومنظمات المجتمع المدني وغرفة التجارة والصناعة بالقيام بدورهم والعمل على تجنب أي زيادة غير مبررة في مستويات الأسعار فالمسؤولية مشتركة لمواجهة كل سلبيات التضخم والاحتكار والفساد.
آخر القول: اللهم حقق لبلادنا العزة والأمن والاستقرار والرفاهة تحت راية قيادتنا الرشيدة.