منذ لحظة تفجر الأوضاع في سوريا الشقيقة بحلول الربيع العربي وخروج المسيرات السورية السلمية باتساع في الأشهر الستة الأولى من الانتفاضة السورية التي مضى عليها أكثر من ثلاث سنوات..اهتم الأردن بما يجري في الدولة المجاورة والتي تعنيه تماماً على المستوى القومي وحتى الوطني لتداخل المواطنين عبر الحدود ولوجود سوريين عبر المكون الأردني وأيضاً لأسباب اقتصادية حيث معبر الترانزيت الى الخليج والجزيرة وايضاً اتصال الأردن البري عبر أوروبا وحتى عبر موانيء المتوسط في طرطوس وأيضاً للبعد الأمني الهام حيث حدودنا الشمالية التي شهدت عبور موجات من اللاجئين السوريين تجاوزوا المليون اضافة إلى وقوع القذائف من جانب سوريا على المدن والقرى الحدودية الأردنية وما سببه اللجوء الواسع من اضطراب أمني وتداعيات عديدة أفرزت أعراضاً مختلفة رتبت على الأردن اكلاف متنوعة وثقيلة..
بذل الأردن جهوداً كبيرة وحاول استطلاع الموقف السوري وارسل المبعوثين واقام اتصالات لم تنجح وحذر من مغبة تدويل الحالة السورية التي لم تجد لها حلاً وطنياً داخلياً حين اختار النظام الحل الأمني وراح يفرضه بالقوة..
وبالفعل جرى تدويل الحالة السورية حين لم تنجح الطروحات والتدخلات والمبادرات العربية لسببين تعنت النظام وهشاشة المواقف العربية واختلافها وعدم امتلاكها أوراق ضغط كافية وبقاء النظام السوري مدعوماً من أطراف اقليمية ودولية لا ترى حلاً عربياً..
لقد فشلت محاولات الجامعة العربية بالمبعوثين وبالمراقبين وتطور الوضع وأراد الأردن لنفسه استثناءاً من المقاطعة وسحب السفراء واغلاق الحدود لحرصه على سوريا أولاً وعلى مصالحه ومراعاة لموقع الجوار والعلاقات مع الشعب السوري الذي لا يجوز أن يعاقب بجريرة النظام..وبالفعل حافظ الأردن على موقف متوازن وحاول ان يمسك العصا من المنتصف وان يمنع المتسللين للجهاد على الأرض السورية لمعرفته بخطورة ذلك وحرصه على أمن سوريا وعدم وقوعها في يد القوى المتطرفة ولكن النظام السوري لم يقرأ ذلك جيداً وحاول تصنيف الموقف الأردني على غير ما هو عليه حقيقه فقد ظل الأردن حريصاً على أن يتوقف نزيف الدم السوري وأن لا يتلوث الجرح السوري ويتعفن بتدخل خارجي أو داخلي متطرف..وحينها كان المجتمع الدولي يتفرج على القتل وتتقدم الدول المتنفذة ذات الأجندات لاحكام قبضتها على سوريا وتحقيق أجنداتها حذر الأردن من ذلك ولذا برز ملف الأسلحة الكيماوية الذي اتخذ قميص عثمان ووجد فيه النظام السوري فرصته ليدفعه كثمن لنجاته أو لرفع الضغط والتهديد بالضرب له ولما كان الدافع الغربي وخاصة الأميركي في الموقف العدائي لسوريا ليس قائماً من اسباب ودوافع اخلاقية حين رأيناهم يصمتون على القتل ولا يسلحون المعارضة وانما يهمهم نزع الأسلحة الكيماوية وهذا ما تحقق وعندها خذل المجتمع الدولي الشعب السوري وتركه يقتل ولم يدعم مقاومته التي تشظت واصبحت المسافات بين بعضها البعض في بعض المواقف بأبعد من المسافة بين النظام والمعارضة..
الدول الغربية وخاصة الأميركيون وما يستنتج من تصريح ادارتهم ومسؤوليتهم اشتروا الوقت للنظام السوري وتوقفوا عن ضربه بل انهم وبتفاهمات روسية أميركية جاءت على شكل اقتسام للمصالح حققوا نزع الكيماوي وصناعة جنيف (2) لتمكين الأسد من البقاء وان يشهد الانتخابات المقررة من جانبه في عام 2014 وأن يجعلوا جنيف (1) وكذلك (2) غامض في موضوع اقتلاع الأسد ولذا فإن جنيف (2) هي لعبة شراء الوقت قلنا أنه لن يعقد واذا عقد فلتصفيه المعارضة الحقيقية واجهاض مطالب الشعب السوري وهذا ما يفهم من تصريحات الابراهيمي في ايران ودمشق وأخيراً في تبرير تأجيل جنيف الذي لا يتوافق عليه سوى الدول الكبرى حيث يغيب الشعب السوري ويحضر ممثلوا النظام دون أن تتفق المعارضة على الحضور..سيكتشف السوريون لاحقاً كم بذل الأردن من جهد لعدم ضرب سوريا سواء لدى الولايات المتحدة أو حتى لدى بعض الأطراف الاقليمية التي أخذت بخيار ضرب دمشق..لقد سجل للملك عبدالله الثاني أنه كان حاضراً في اللحظات الصعبة وأنه أبطل ضربة قررت كانت ستقع على دمشق حين سعى بنفسه لدى أكثر من طرف دولي ابتداء من الفاتيكان وأطراف عربية شقيقة مبصراً بالمخاطر التي ستترتب على ذلك، نعم أجهض الأردن ضربة كانت مقررة وقد اعترض على أي سلاح يمر فوق ارضه لضرب سوريا وقد نجح وما زال الملك يسعى لتأكيد ذلك وتفويته في زيارات لاحقة وقد استمرت..
سوريا الان بحاجة الى جهود متصلة ومخلصة وجديدة لانقاذها وليس إلى من يشد الحبل حول عنقها باسم دعم الشعب السوري الذي لم يدعم أو باسم الحرص على النظام خوفاً من ورثته والذي جرى شراء الوقت له وتمكينه..
الموقف الأردني مختلف عن كل المواقف الدولية والاقليمية وحتى بعض العربية لأن فيه تكمن المصالح الأردنية السورية وسيكتشف السوريون ذلك مهما اختلطت الأوراق وغابت الرؤية فالأجندات الأردنية وان لم تقرأ جيداً سيأتي الوقت لمعرفة مضمونها الطاهر.
alhattabsultan@gmail.com
سلطان الحطاب/سوريا على الأجندة الأردنية
15
المقالة السابقة