سألني الدليل الذي صاحب وفدنا حيث عاد بعضه على عجل ليحضر افتتاح الجلسة البرلمانية وخطاب الملك فيها لماذا غيرت وجهتك من مدينة ناخيتشيفان التي اختيرت هذا العام عاصمة للحضارة الاسلامية إلى مدينة كنجة حيث لا حجز في الطائرة؟ كنت شرحت انني أفضل زيارة ضريح ومسقط رأس أهم شاعر مسلم في العصور الوسطى كلها وهو الشاعر نظامي الكنجي (نسبة الى مدينة كنجة) والمولود في عام (570) للهجرة في القرن الثاني عشر للميلاد وقد عاصر صلاح الدين الايوبي في فترة السلاجقة الأتراك وكان عمره حين وقعت معركة حطين لتحرير القدس ثلاثة عشر عاماً له.. مؤلفات هامة اسميت بالكنوز الخمسة ..خمس منظومات قصصية إلى جانب (خسرو وشيرين، وليلى والمجنون، مخزن الأسرار، العروش السبعة، واسكندرنامه (عن الاسكندر المقدوني) وديوان غزل) فقد بلغت ابيات ليلى والمجنون (4) آلاف بيت وهي عن الأدب العربي الشرقي تتحدث عن قيس بن الملوح وليلى العامرية وقد تاثر الشاعر الانجليزي الشهير شكسبير بها وكتب روميو وجولييت بعد الشاعر نظامي..
العالم الاسلامي كله يهتم بهذه المدينة ودورها وما زالت أهميتها فهي ثاني مدن أذربيجان اذ يبلغ عدد سكانها (325) ألف نسمة اجتاحتها القوات الروسية في الحرب الروسية-الايرانية في القرن الثامن عشر ودمرتها وهي على الحدود الغربية من أذربيجان وهي عاصمة للمقاطعة الواقعة في القفقاس فيها عديد من الانهار والبحيرات والغابات..وتشتهر بالغناء الأوبرالي والمواويل التي تشبه العربية الشعبية في بلادنا..كما أنني لم أعرف الجميد الذي نستعمله على المنسف إلا في بلادنا وهنا في هذه المدينة ويستعملونه لنفس الأغراض وأخرى ويتباهون لصناعته وينافس الجميد الكركي والخليلي..
جرى استقبالنا على مشاهد ليلى والمجنون وعلى الكلمات المأخوذة منها للمغني الشهير اريك كلايتون والتي اقتبسها من الشاعر نظامي، هنا شعراء كثيرون وفنانون وقد وصفت المدينة بأنها بلد الكرم والشعراء وأهلها كرماء حتى أن التاكسي لم يأخذ أجره باعتبارنا ضيوفا ولا يجوز ذلك..
هنا أيضاً الشاعرة والرسامة الأذرية الشهيرة التي رحلت قبل 900 سنة حيث احتفل بميلادها وقد أرسلت ملكة اسبانيا صوفيا منمنات ولوحات كانت في الأندلس من رسم هذه الشاعرة وهي مهستي الكنجية وعددها (8) لوحات سلمها الروس من أردبيل لتصل إلى اسبانيا وساهمت بها ملكة اسبانيا في الحفل العالمي في عيد ميلاد الشاعرة مهستي التي يحتفل بها الأذربيجانيون ويبجلونها كما احيا ذكرها مؤسس الدولة الأذرية حيدر علييف وسمى يوم ميلادها عيداً شعبياً للشعب الأذري منذ عام 1996.
في المدينة المليئة بالمواقع التاريخية كان عليّ أن أزور مسجد شاه عباس وموقع خان باغي وضريح الشاعر نظامي الذي ارسل تمثاله الشهير إلى روما وما زال هناك يزار بكثرة والمدينة هنا مشهورة بالعنب والبندق والعسل.
اذربيجان التي تنفتح الآن على العالم ببنية سياحية جديدة واتساع غير مسبوق في البناء والعمارة والطرق تستضيف المنتدى العالمي الثالث لحوار الحضارات عام 2015 وكانت قد أقامت في عمان معرضاً للمخطوطات الأذرية في 5/ 6/ 2013 وهي تعقد الآن مؤتمر الانسانية العالمي الذي يتكرر للمرة الثالثة وسط حضور عالمي واسع..حيث تزداد موازنات المؤتمرات والمعارض الفنية والنشاطات الثقافية التي حضرنا احد أهم مهرجاناتها في كنجة أمس الاول..
alhattabsultan@gmail.com