جاء موقف المملكة العربية السعودية بالاعتذار عن قبول عضوية مجلس الأمن أشبه باحتجاج غاضب من أداء المجلس إزاء القضايا العربية بعامة، قديمها وحديثها. فلم يعد للمجلس من شغل، مؤخرا، سوى محاولات التوصل إلى تسويات بين، وريثتي سياسات الحرب الباردة: الولايات المتحدة وروسيا، بما يضمن مصالحهما الوطنية الضيقة، باستبعاد مصالح الدول الأخرى، وخاصة، منها، الدول العربية التي تعيش في مناطق الصراع.
ذلك كان شغل مجلس الأمن الشاغل وأعضائه الدائمين، أما العشرة الآخرون المنتخبون لسنتين، ومنهم كانت، في الانتخابات الأخيرة، المملكة العربية السعودية، فلا عمل لهم سوى الجلوس والاستماع ومجرد أخذ علم بما يتم التوصل إليه من تسويات.
مثل صارخ، في هذا، كانت الحالة السورية. فقد قسمت المعارضة السورية لنظام الأسد إلى فئات رسم لها أن تتحارب فيما بينها طيلة الوقت الذي تحتاجه مفاوضات التسوية تلك. هذه كانت مهمة جنيف1، وربما فيما يخططون لجنيف2، وفي مهزلة الأسلحة الكيميائية، وكيل المديح لبشار الأسد قائد المعارضة العلوية، قبل أن يكون رئيسا لسوريا؛ والصراع المدبر بين الجيش الحر، ومنظمة داعش-(منظمة القاعدة) الممولة من قبل إيران لغرض تشتيت صفوف تلك المعارضة وتبرئة الأسد، لدى أميركا، بشكل خاص، «باعتباره،» هو الآخر، «عدوا للإرهابيين؛» وتخويفها من البديل الذي «سيشكله هؤلاء الإرهابيون.»
ما جرى ويجري في سوريا، وحسب كل القراءات الموضوعية، لم يكن، بالنسبة لوريثتي الحرب الباردة، سوى شكل من اشكال التدابير المتمهلة لإشغال كل الأطراف بها، ريثما تتم المهمة ولو بتدمير الدولة السورية كلها: إمكانات، وبنى تحتية وفوقية، وتزيق شعبها: قتلا، وتشريدا، وتدميرا لمدنه وقراه باستخدام الطيران والمدفعية والدبابات ثم الأسلحة الكيميائية ضد المدنيين الذين ألقى ميثاق الأمم المتحدة مسؤولية حمايتهم على مجلس الأمن نفسه، (المادتين 24 و25 من ميثاق الأمم المتحدة) فلم يفعل المجلس شيئا في سبيل ذلك، ولو من قبيل دعم الجامعة العربية حين تدخلت لحل سلمي النزاع.
يلوم العرب الولايات المتحدة، في هذا التقصير. وهو لوم صار يأخذ شكل قناعات سياسية في أنها تتعمد ذلك في علاقاتها مع الدول العربية، وخاصة حين رأوها تسارع للانحياز لإرهابيي مصر الذين يستهدفون جيشها وأمنها وأمن أهلها واستقرارهم فمنعت عنها المساعدات. لصالح من كان ذلك؟
يذكرالجميع، هنا، أن واشنطن قد استخدمت حق الفيتو، للدفاع عن إسرائيل في مجلس الأمن 43 مرة منذ سنة 1984، أو ما يزيد على ضعف المرات التي استعمل فيا هذا الحق من قبل جميع الأعضاء الآخرين، في الفترة ذاتها. الأدبيات السياسية طافحة بمثل هذا السلوك لمجلس الأمن وللولايات المتحدة نفسها فيه.
لابد للمجلس أن يغير من طريقته بإصلاح قواعد العمل فيه، بإجراءين متوازيين: الأول، بإصلاح المجلس نفسه وتوسيع العضوية الدائمة فيه لتشمل مناطق العالم المعروفة وخاصة المجموعتين العربية والإسلامية؛ ثم ثانيا، بتعديل ميثاق المنظمة لتسهيل التدخل لفرض قواعد القانون الدولي والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين، وإزالة اي التباس في فهم أبعاد الفصل السادس من الميثاق.
رفض المملكة السعودية قبول العضوية على الشروط القديمة إياها يجب أن يستمر وأن تدعمه دول العالم الثالث، بما يمكن من تحقيق كل غاياته.