يبدو ان حال الفلسطينيين الآن يأخذ حال المثل القائل «رضينا بالهم والهم ما رضي فينا» اذ قبلوا العودة إلى المفاوضات والمفاوضات لم تعد تعني اسرائيل وها هو الموقف يزداد سوءاً وتصبح حياة الرئيس محمود عباس في خطر بعد أن أطلق الارهابي ليبرمان رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست تهديده الأخير على شكل «شيفرة» عباس لم يعد شريكاً في عملية السلام وهي «الشيفرة» التي قتلت عرفات بعد اطلاقها حين استعملت نفس الجملة من شارون واتباعه..ما الذي تريده اسرائيل؟ هذا السؤال العائم والمكشوفة اجابته ما زال قائماً..ألم يكن شرط العودة الفلسطينية الى المفاوضات التي توقفت ثلاث سنوات وسعت اسرائيل بممارسة ضغوط رهيبة على القيادة الفلسطينية عبر محافل دولية وحتى عربية لاعلان استئنافها وقد قبلت القيادة الفلسطينية ذلك في يوليو تموز الماضي شرط اطلاق اسرائيل سراح الأسرى القدامى مقابل أن يمتنع الفلسطينيون من الانتساب للمنظمات الدولية والاستفادة منها في معاقبة اسرائيل على أفعالها وذلك لمدة تسعة أشهر يتم خلالها التوصل الى حلول للملفات المتوقعة..
القيادة الفلسطينية وبدفع دولي على رأسه الولايات المتحدة وزيارات كيري المكوكية قبل ثلاثة أشهر والتي سبقتها مهمة المبعوث الأميركي ميشيل والذي اختفى من الساحة وهكذا كلما انتهت مهمة بدأت أخرى واستمرت لعبة «لفتك ما لفتك» على مدار (65) سنة بأشكال مختلفة ظلت تتكرر ربما على وتيرة واحدة منذ أوسلو قبل عشرين سنة..فماذا؟ وإلى متى؟
ظلت اسرائيل تقتل القيادات الفلسطينية التي تشعر أنها تحرجها أو تقف حجر عثرة في وجه مخططاتها..وقد فعلت ذلك مع الكثيرين ممن اقترحوا عليها تسويات ومبادرات في الداخل والخارج وبلغت ذروة اغتيالاتها اغتيال الرئيس عرفات وها هي تعاود نفس الصيغة في مقدمات متشابهة مع الرئيس محمود عباس..
لماذا يصمت المجتمع الدولي الآن؟ وأين مهمة ميشيل؟ بل أين مهمة كيري الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وشغل الناس قبل أن تنفذ شحنته الآن ويصمت ويبحث عن مواضيع أخرى..لماذا يجري التعتيم على المفاوضات وتكتفي اسرائيل ببيان اعلان استئنافها الذي صرفته للمجتمع الدولي الذي انتقدها بشدة قبل ذلك الاعلان وقد وصل نقده لها حد وقف استيراد صادرات المستوطنات في أوروبا والاعلان عن اعتقال اي متورط من قيادتها في جرائم حرب..
المفاوضات الان وصلت الى طريق مسدود في موضوع القدس الذي لم يتوقف الاستيطان عن نهش مكوناتها الجغرافية والبشرية والحضارية او استمرار اعلان اسرائيل داخل اروقة المفاوضات الشكلية عن تمسكها بغور الأردن وعدم السماح بتواصل فلسطيني اردني عبره أو في قضايا أخرى لم يحرك فيها ساكناً سواء في قضية اللاجئين أو الحدود او غيرهما طالما بقي الفلسطينيون يتحدثون عن دولة فلسطينية في حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية في حين ترفض اسرائيل عملياً ذلك..
السؤال ليس ماذا يريد الاسرائيليون فقد اصبح ذلك معروفاً وعنوانه تأبيد الاحتلال وبقاء الحال القائمة كما هي لا خطوة الى الأمام ولا اخرى الى الخلف وانما تأكيد ما هو قائم..ولكن السؤال ماذا تريد الولايات المتحدة الأميركية التي اشترت لاسرائيل كل هذا الوقت لادامة احتلالها وما زالت تشتري لتقوم اسرائيل بممارساتها دون أن يتصدى لها احد قادر على وقفها..
عادت اسرائيل تتكلم عن عدم الجدوى من التسوية الدائمة وأن الحل هو مساعدة الفلسطينيين اقتصادياً مقابل التزام أمني لصالحها.. ليس جديداً أن يصرح المسؤولون الاسرائيليون ابتداء من نتنياهو ووزرائه العاملين وحلفائه في الحكومة وانتهاء بالفاشي ليبرمان أن لا جدوى من تسوية سياسية..الجديد هو استمرار الحال الفلسطينية في حضور مفاوضات جرى تجريبها مرات عديدة دون نتائج فهل يستمر الوضع القائم؟ وما هو الموقف العربي ان ظل هناك موقف عربي وهو كلام المملكة العربية السعودية حين رفضت عضوية مجلس الأمن غير الدائمة بعد (65) سنة من المماطلة والكذب والخداع الذي مارسته اسرائيل وحلفاؤها..
مطلوب موقف فلسطيني غير تكتيكي وموقف عربي يدرك أن الربيع العربي الذي شهدنا فقط احدى موجاته سبب الاحتلال الاسرائيلي للقدس والذي ما زال بدايات التسونامي فيه..فهل يستمر العرب وضع رؤوسهم في الرمل ومعالجة الظواهر بدل معالجة الاسباب؟
alhattabsultan@gmail.com