في تقرير من مدينة مصراتة الليبية، نشرته صحيفة «الصنداي تايمز» البريطانية في عددها الأخير أول من أمس الأحد، لمراسلتها كريستينا لامب، صورة مخيفة لظاهرة انتشار السلاح في شوارع وأزقة مدينة مصراتة وسائر المدن الليبية، الى حد أن المراسلة تصف ليبيا اليوم بأنها أكبر سوبر ماركت في العالم لسوق السلاح على مختلف انواعه.
ايمن، ابن الـ 22 عاماً، والذي يحمل شهادة جامعية في تقنية المعلومات، لديه مستودع بجوار منزله. محتويات المستودع: صناديق ملأى بالأسلحة المضادة للطائرات والصواريخ والمدافع وقذائف الهاون وكميات من مادة «سمتكس» التي تعتبر كنزاً ثميناً في يد التنظيمات الارهابية وصانعي المتفجرات. ايمن لا يعرف ماذا يفعل بكل هذه الاسلحة التي وجدها بين يديه بعد ان شارك مع الثوار في مصراتة في المعارك ضد نظام القذافي. يقول: لو كانت هناك دولة في ليبيا لسلّمتها لها. لكن لا توجد دولة ولذلك فالأفضل ان احتفظ بهذه الاسلحة عندي في الوقت الحاضر.
هذا الشاب واحد من العشرات وربما المئات من الذين انتهت الاسلحة الليبية التي كانت في حوزة رجال القذافي بين ايديهم. احصاءات الخبراء الامنيين تقدر كميات الاسلحة المنتشرة في ليبيا بملايين الاطنان. كل جهة او تنظيم يبحث عن السلاح هذه الايام لا يجد وجهة افضل واسرع تجاوباً من ليبيا. والأخطر ان الكثيرين من الليبيين الذين وقعت هذه الاسلحة بين ايديهم لا يقدرون قيمتها ولا يعرفون وجهة استعمالها.
هكذا تحولت ليبيا الى مصدر لتسليح الثوار والمعارضين والارهابيين في كل مكان: من ثوار سورية الى مقاتلي حركة «حماس» الى المسلحين في مصر و «الشباب» في الصومال و «بوكو حرام» في نيجيريا. الجميع مصدرهم واحد وهو دكاكين السلاح في زواريب المدن والاحياء الليبية.
اما صناعة النفط، التي استغلها القذافي لتطوير تدخل اجهزة استخباراته في حروبه في الخارج وفي تمويل التنظيمات الارهابية وعمليات تفجير الطائرات فهي تتعرض اليوم للنهب المنظم على يد التنظيمات المسلحة، وخصوصاً في بنغازي وسائر المناطق الشرقية من ليبيا. وتقدر الحكومة الليبية ان الخسائر في القطاع النفطي بلغت ستة بلايين دينار ليبي (حوالى خمسة بلايين دولار) خلال هذا العام، بعد ان هبط انتاج النفط الخام الى اقل من نصف معدله العادي بسبب الهجمات التي يشنها المسلحون على المنشآت النفطية.
في وضع منفلت كهذا لا يعود مستغرباً ان تسمع ان رئيس الوزراء تعرض للخطف على يد جهاز حكومي يفترض ان يكون نظرياً تابعاً له. مدير ما يسمى «مكتب مكافحة الجريمة» الذي يتبع وزارة الداخلية ظهر في مؤتمر صحافي قبل يومين ليؤكد انه هو الذي قام بخطف رئيس الحكومة علي زيدان … «وافتخر بذلك». اما التبرير فهو انه تم ضبط مخدرات في سيارة رئيس الحكومة، والحصانة لا تحميه في هذه الحال.
قبل عامين بالضبط سقط نظام العقيد معمر القذافي بعد ان اشترك الاميركيون والبريطانيون والفرنسيون في مساعدة الشعب الليبي على التخلص منه. لكن سقوط القذافي لم يساعد على انقاذ ليبيا من الفشل ولا في وضعها على سكة الوصول الى دولة ناجحة وفاعلة. هل كان مطلوباً من الدول التي ساعدت على اسقاط القذافي ان تساعد الليبيين على اقامة دولة مؤسسات وحكم قانون، كما هو قائم في معظم دول العالم؟ وهل تتحمل هذه الدول المسؤولية عن الفشل، ام ان الشعب الليبي هو المسؤول عن انقاذ بلده من الانهيار الذي يصيبه اليوم، والذي قد يجعل البعض يفتقد ايام القذافي؟
الياس حرفوش/عامان على سقوط القذافي
17
المقالة السابقة