قال المسؤول الروسي للزائر: «روسيا ليست مغرمة بالنظام السوري. روسيا تدافع عن أمنها ومصالحها واستقرار الشرق الأوسط. المسألة أبعد من تسهيلات بحرية وبيع أسلحة أو مناكفة الأميركيين. سورية ليست بعيدة عنا وإذا سقطت في أيدي الجهاديين ستنتقل هذه الموجة إلى محطة أخرى. لا الشرق الأوسط يحتمل قيام وضع ليبي في سورية ولا نحن نحتمل. لهذا لم نسمح أن تتكرر في مجلس الأمن «الخديعة الغربية» التي حصلت في الموضوع الليبي. حسابات الصين ليست بعيدة عن حساباتنا أيضاً». استنتج الزائر أن «الخيط الإسلامي» حيوي لفهم موقف روسيا في سورية.
حيّر موقف موسكو من زاروها محاولين إقناعها بتغيير موقفها. لم تتجاوب مع النصائح ولم تستوقفها الإغراءات. لعبة السلاح الكيماوي أكدت صلابة الموقف الروسي. قلبت مسار الصراع. نجحت موسكو في تقديم ملف الترسانة الكيماوية السورية على ملف الأزمة نفسها. عزفت على وتر يعني إسرائيل وأميركا وبدت إدارة أوباما راغبة في الانعتاق من الالتزامات والتهديدات فانخرطت في لعبة الرئيس الوافد من الـ «كي جي بي». ويقول كثيرون إن موسكو تعرف تماماً من استخدم الكيماوي. لكنها لو سلمت بمسؤولية النظام لكان عليها الموافقة على قرار دولي يجيز ضرب دمشق أو يفسح المجال لضربها. لهذا كان لافروف شديد الوضوح مع وليد المعلم: «الضربة آتية ولتفاديها سلموا الأسلحة الكيماوية». ولم يكن أمام سورية غير الموافقة.
بعد مناورة الكيماوي ذهب المتابعون إلى تفسير آخر للتشدد الروسي في حماية النظام السوري. يقول هؤلاء إن هناك ما هو أهم من القاعدة البحرية والمرابطة على المتوسط والحضور في النزاع العربي – الإسرائيلي. يقولون إن المؤسسة الروسية الأمنية والعسكرية أعطت الأولوية للحرب على الجهاديين واعتبرت المذبحة الدائرة على الأرض السورية فرصة لكسر الموجة الجهادية التي وفر لها «الربيع العربي» فرصة التسلل والتجذر في عدد من الدول.
يقول أصحاب هذا الرأي إن أهم إنجاز حققه فلاديمير بوتين وصنع له زعامته هو نجاحه في منع تفكك الاتحاد الروسي. ويلفتون إلى أن أكثر من 20 مليون مسلم يعيشون الآن داخل الاتحاد الروسي هذا عدا الخاصرة الرخوة التي تشكلها طاجكستان وأوزبكستان وقيرغيزيا. ويشير هؤلاء إلى أن خمس جمهوريات تتمتع بالحكم الذاتي في القوقاز، بينها الشيشان وداغستان، هي جمهوريات ذات أكثرية إسلامية ساحقة أو صريحة هذا إضافة إلى جمهوريتي تتارستان وبشكيريا في وسط روسيا. وإذا أخذنا في الاعتبار أوضاع الشيشان والاضطرابات في داغستان يمكننا التحدث عن البعد الإسلامي في سياسة بوتين خصوصاً مع تصاعد المخاوف من عودة «طالبان» إلى الحكم في كابول بعد الانسحاب الأميركي منها. ربما لهذا السبب يتعامل الكرملين مع سورية وكأنها «حديقة خلفية» ستقرر معاركها مستقبل موجة المقاتلين الجوالين.
روسيا الخائفة من امتداد ربيع الجهاديين إلى أراضيها فضلت مقاتلتهم على الأرض السورية. «محاربتهم هناك أسهل وأرخص». كسر موجة الجهاديين على الأرض السورية سيترك آثاره في أكثر من مكان. تستطيع روسيا استنزافهم من دون إرسال جندي واحد. يقاتلهم الجيش النظامي السوري مدعوماً من «حزب الله» وميليشيا أخرى إيرانية الهوى. لهذا يتحدث المسؤولون الروس عن قصر نظر الغرب ويستشهدون بما حدث في ليبيا. إشغال الجهاديين في سورية يشغلهم عن القوقاز. ومن يدري فقد تنجح موسكو لاحقاً، وربما عبر «جنيف – 2»، في إعطاء ملف مواجهة الجهاديين و «القاعدة» على أرض سورية الأولوية على أي شأن سوري آخر. وهذا يفسر مشاعر المرارة والخيبة التي تسيطر على المعارضة السورية المعتدلة والتي تفسر السلوك الجديد للفصائل المسلحة.
تدير روسيا هذه السياسة محتفظة بعلاقة ممتازة مع إسرائيل وعلاقة تحالف مع إيران وتعتبر تركيا في الوقت نفسه «حليفاً تجارياً واقتصادياً مهماً». وفي ظل وجود إدارة أميركية مرتبكة يبدو بوتين في صورة من يتقدم لخوض مواجهة واسعة مع «القاعدة» وأخواتها دفاعاً عن روسيا لا عن سورية.