اذا كان الفريق عبدالفتاح السيسي في حاجة الى ان تكتمل صورته كبطل وطني يمثل «رمز عزة مصر وحرية قرارها»، ويقف في وجه كل من يتدخل في شأنها الداخلي، فها قد جاءته الفرصة على طبق من ذهب، بعد القرار الاميركي الاخير بحجب بعض المساعدات العسكرية والمالية عن الجيش المصري.
ربما لا يحتاج السيسي ان يصل بالامور الى ما وصلت اليه ايام عبدالناصر مع تأميم قناة السويس، كما قد لا يستطيع احداث انقلاب جذري في العلاقات العسكرية القائمة بين الجيشين المصري والاميركي في خطوة مقلوبة لما اقدم عليه السادات عندما طرد الخبراء السوفيات من مصر عام 1972. فظروف مصر والمعاهدات التي ترتبط بها في هذه المرحلة (كامب ديفيد خصوصاً) لا تسمح بعودة شيء من الوهج القومي لجمال عبدالناصر، على رغم بعض الحنين المصري القائم اليوم. كما لا تسمح بنقل البيض المصري كله من السلة الاميركية انتقاماً من قرارها الاخير. لكن الاكيد ان العلاقات المصرية – الاميركية تمر بمرحلة، اقل ما يقل فيها انها حرجة، منذ 3 تموز (يوليو) الماضي. وها هو القرار الاخير يأتي تتويجاً لحرج هذه المرحلة.
يمكن للادارة الاميركية ان تعتبر هذا القرار رمزياً ومؤقتاً، لا يهدف سوى الى توجيه «رسالة واضحة» الى القاهرة، بعد خلع الرئيس محمد مرسي وقيام الحكومة الانتقالية الحالية. غير ان هذا القرار، بالنسبة الى المسؤولين المصريين، هو اكثر من رمزي. انهم يعتبرونه تدخلاً فاضحاً وواضحاً في الشأن الداخلي المصري.
وبصرف النظر عن مبررات القرار الاميركي، وعن مدى ارتباطه بتطورات 3 يوليو الماضي، فإن الذي لا جدال فيه انه قرار متأخر اكثر من ثلاثة اشهر عن تلك التطورات. وهو تأخير يجعل اتخاذ القرار اليوم وكأنه يقدم خدمة لمعارضي الفريق السيسي، اكثر مما يخدم المبادىء التي تبرر بها ادارة اوباما قرارها، وهي مباديء الدفاع عن الديموقراطية وعن حقوق الانسان في مصر. ذلك ان من يريد الدفاع عن تلك المبادىء كان يفترض به ان يتخذ القرار المناسب في الوقت المناسب. اذ انه لو اتخذ قراره هذا في ذلك الوقت ربما كان وفّر على مصر وعلى المصريين وعلى الحكم العسكري نفسه الازمات السياسية والامنية التي واجهها في محاولته للسيطرة على الوضع الداخلي. بكلام آخر، كان في امكان شبكة الاتصالات التي كانت قائمة بين الادارة الاميركية وقيادات الجيش المصري، كما بينها وبين قيادات حكم «الاخوان» السابق، ان ترسم خريطة طريق تقطع الطريق على الاستقطاب الحاد الذي بات يفرض نفسه على الشارع المصري، كما تؤدي في النهاية الى مصالحة وطنية تقوم على عدم استبعاد أي طرف من العملية السياسية.
اما الآن، وبعد ان باتت هذه المصالحة ابعد منالاً، وخصوصاً بعد القرار الاخير بحل جمعية «الاخوان»، فان من شأن قرار حجب المساعدات الاميركية ان يزيد من شعبية الحكم المصري الحالي فوق ما هي عليه، وخصوصاً بعد الاصداء الايجابية التي لقيها رد السيسي على اتصال وزير الدفاع الاميركي الذي ابلغه القرار، اذ قال له ان مصر لا تخضع لأي ضغوط خارجية للتأثير على قرارها الداخلي.
فوق ذلك، لا يستطيع المصريون ان يستنتجوا من تأكيد واشنطن ان تخفيض المساعدات لن يؤثر على التزامات اتفاقية «كامب ديفيد» أو على مهمات الجيش المصري في سيناء سوى انه استخفاف بالدور الوطني للجيش المصري وبمسؤولياته، وكأن مهمته، في نظر ادارة اوباما، تقتصر على حماية المتطلبات التي تقتضيها تلك الاتفاقية، حرصاً على استمرار حالة السلام القائمة بين مصر واسرائيل، والتي تعتبرها واشنطن مسألة استراتيجية بالنسبة الى سياستها في المنطقة.
اراد اوباما «ان يكحّلها فعماها». فاذا كان قصده من قرار تجميد بعض المساعدات التي يقدمها للجيش المصري هو الضغط على الفريق السيسي وتحسين شروط المصالحة الداخلية، فإن ما أدى اليه هو العكس، أي توفير فرص التفاف وطني حول السيسي، الذي تحول في نظر مؤيديه الى «رمز وطني» يقف في وجه التدخل الاميركي في شؤون مصر. بينما باتت صورة «الاخوان» انهم هم الباحثون عن العون والحماية من الخارج … وهذا اقصى ما كان يأمله خصومهم