لا تزال جماعة الإخوان المسلمين في مصر تكرر أخطاءها باعتقادها أن إفشال الدولة هو طريق العودة إلى السلطة، وهو رهان خاسر أفقدها الكثير من رصيدها في الشارع المصري .. والطريق الوحيد لإفشال الدولة حسب مفهوم جماعة الإخوان هو الدخول في مواجهة مع المؤسسة العسكرية بهدف إسقاطها .. لأنها المؤسسة الوحيدة في الدولة التي ظلت متماسكة بعد أحداث الـ25 من يناير 2011، ولولاها لكانت مصر قد سقطت في هوة عميقة من الصعب الخروج منها .. ولذا ليس غريبا أن تختار جماعة الإخوان ذكرى حرب السادس من أكتوبر للتظاهر في هذا اليوم ومحاولة اقتحام ميدان التحرير لإفساد فرحة الشعب المصري وجيشه بذكرى هذه الحرب، حيث دعت الجماعة شباب مصر للوقوف في مواجهة القوات المسلحة وطالبتهم بالتضحية بكل غالٍ ونفيس ودفع المزيد من الدماء من أجل “استرداد مصر والخلاص” حسب تعبيرها والنتيجة سقوط 51 قتيلا و400 جريح حصيلة هذا اليوم من المواجهات والاشتباكات!!
جماعة الإخوان لم تكتفِ بالدعوة للتظاهر يوم الـ6 من أكتوبر، بل أصدر ما يسمى بـ”تحالف دعم الشرعية” الذي تتزعمه الجماعة بيانا تحريضيا ضد الجيش المصري من خلال الهجوم على قياداته، حيث جاء في البيان “إننا ندعو أفراد القوات المسلحة قادة وأفرادا وضباطا وجنودا للعودة إلى العقيدة القتالية المصرية في الـ6 من أكتوبر واستلهام تلك الروح الخلاقة .. والتغيير الخطير في عقيدة الجيش الآن يتحمل مسؤوليته الانقلابيون الدمويون من قادة الجيش الذين دفعوا به إلى الدخول في معترك العمل السياسي والانحياز إلى طائفة على حساب أخرى، وأبعدوهم عن عملهم الحقيقي بحماية حدود الوطن، ونحن المصريون أحرص على جيشنا منهم .. لذا نعلن أن هؤلاء القادة غير الوطنيين فقدوا شرعيتهم لقيادة الجيش .. والقادة الحقيقيون الذين خاضوا معركة أكتوبر ومن على عقيدتهم القتالية بالجيش هم من يمثلوننا!!
إنها دعوة صريحة لحث أفراد الجيش المصري على الانشقاق والانقسام وعدم الانصياع لقياداتهم، وهي دعوة غير وطنية بالمرة ولا تمت للروح الوطنية بأية صلة، فضلا عن أنها دعوة تكشف نوايا جماعة الإخوان شبه المعلنة للدخول في صدام دموي واحتكاك مستمر مع المؤسسة العسكرية، وهو ما يتحقق على الأرض منذ ثورة الـ30 من يونيو وعزل الرئيس السابق محمد مرسي .. فالجيش المصري هو الهدف الأول لدى الجماعة للثأر منه وإجباره على العودة إلى ثكناته منكس الرأس مهزوما مفككا حتى تتمكن الجماعة من استرداد السلطة مرة أخرى، وهو اعتقاد خاطئ .. فالجماعة أصبحت “مرفوضة” شعبيا والصراع الجاري الآن ليس صراعا بينها وبين المؤسسة العسكرية وإنما صراع مع الشعب!!
نعم .. هناك صراع قديم بين الإخوان والمؤسسة العسكرية ليس وليد أحداث الـ25 من يناير أو الـ30 من يونيو، وإنما بدأ عقب قيام ثورة الـ23 من يوليو العام 1952، ورغم أن الجماعة كانت إحدى أذرع الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة إلا أن العلاقات ساءت بينهما إلى الدرجة التي تم خلالها إدخال قادة الجماعة إلى السجون وإعدام وتصفية عدد منهم، واستمرت الجماعة طوال تلك الفترة تعمل تارة في السر، وتارة في العلن إلى أن تم إسقاط نظام الرئيس حسني مبارك عقب أحداث الـ25 من يناير 2011 فوجدت الجماعة أمامها الفرصة سانحة لإنهاء حكم العسكر الذي دام ما يقرب من 59 عاما وتحت الضغوط الدولية التي مورست على المجلس العسكري تم تسليم السلطة لجماعة الإخوان بشكل بدا أمام الجميع بأنه “ديمقراطي” .. وحين فشلت الجماعة في إدارة حكم دولة بحجم مصر وإنحاز الجيش لإرادة الشعب الذي طالب بإسقاطهم، هنا تحول الصراع إلى صراع بين الإخوان والشعب وليس مع المؤسسة العسكرية فحسب .. وهذا هو ما لا تفهمه الجماعة!!
ويبدو أن رهانات جماعة الإخوان كلها خاسرة، حيث راهنت على قدرة أميركا والاتحاد الأوروبي على التدخل من أجل الضغط على المؤسسة العسكرية للعدول عن خارطة الطريق وعودة “مرسي” إلى الحكم إلا أن تلك الضغوط بإءت بالفشل..!!
وبالنسبة للموقف الأوروبي .. صار هو الآخر متسقا مع الموقف الأميركي الذي اعترف أخيرا بشرعية ثورة الـ30 من يونيو، وهو ما بدا في الزيارة الأخيرة لكاثرين آشتون الممثلة العليا للسياسة الخارجية والأمنية بالاتحاد الأوروبي، حيث اختلفت تصريحاتها هذه المرة شكلا ومضمونا عما كانت عليه خلال زيارتين سابقتين قامت بهما لمصر عقب ثورة الـ30 من يونيو؛ فبعد أن كانت تطالب بالإفراج عن الرئيس السابق محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان بل واشترطت في إحدى الزيارات لقاءه وحدث لها ما أرادت .. لم تشر في تصريحاتها الأخيرة إلى اسم “مرسي” لا من قريب أو بعيد، بل أعلنت دعمها لخارطة الطريق واعتبرت ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسي للرئاسة من عدمه أمرا داخليا يهم المصريين وحدهم ولا يحق للاتحاد الأوروبي التدخل فيه!!
ورغم أن عددا كبيرا من اللاعبيين الدوليين الداعمين لجماعة الإخوان ابتعد عنها، إلا أنها لا تزال تواصل رهاناتها الخاسرة بلجوء أنصارها إلى ممارسة العنف والإرهاب والدخول في مواجهة مع المؤسستين العسكرية والأمنية لإفشال الدولة رغم علم الجماعة أن هذا الطريق لن يؤدي على الإطلاق إلى عودة “مرسي” وإنما أدى بالفعل إلى كراهية الشارع المصري لها!!
سامي حامد كاتب وصحفي مصري
Samyhamed65@yahoo.com