كل من يزور الدول الناشئة والمتقدمة يدرك تماما ان توفر نظام نقل ركاب منتظم سواء داخل المدن او على مستوى الدولة هو احد معايير الكفاءة والانتاجية، وزيادة القيمة المضافة لاستخدامات الطاقة والوقت، ففي فرنسا وبريطانيا والدول الاوروبية وصولا الى مصر التي تمت مبكرا بناء السكك الحديدية لغايات النقل في مقدمتها نقل الركاب، ومرة اخرى في مصر تم بناء السكك الحديدية قبل اكثر من مائة عام، والامر نفسه وبكفاءة افضل في بريطانيا ومعظم الدول الاوروبية، ونادرا ما يحتاج المرء قيادة مركبته الخاصة للوصول الى عمله، اذ تعتمد الغالبية العظمى من العامة على قطارات الانفاق والقطارات العادية، وفي المرتبة الثانية تأتي حافلات الركاب، وفي المرتبة الاخيرة تأتي سيارات التأكسي، وهذه الاخيرة مكلفة جدا بالمقارنة مع الوسائط الاخرى.
الاردن الذي يستورد 97% من احتياجاته من النفط والمنتجات البترولية بالاسعار السائدة في الاسواق العالمية، يستهلك اكثر من ثلث مستورداته من النفط ومنتجاته لغايات النقل العام، اي ان ما يستهلك لغايات النقل العام يتجاوز 1.3 مليار دينار/سنويا على اقل تقدير، وان نقل الركاب يستهلك القسم الاكبر من ذلك نظرا لضعف قطاع نقل الركاب الذي يعاني من التشرذم، والملكيات الصغيرة، وعدم انتظام تردد الحافلات، وافتقاد قطاع النقل للسكك الحديدية داخل العاصمة وبين المحافظات، الى جانب قائمة طويلة من التجاوزات يدفع ثمنها المواطن والاقتصاد الوطني.
يقول البعض ان قطاع النقل العام يعاني من تركة قديمة لا يمكن حلها، وان تعارض المصالح يعطل تنفيذ خطط طموحة لاطلاق مشاريع كبيرة لنقل الركاب من الحافلات الكبيرة، وتنفيذ مشاريع السكك، ويؤكد البعض الآخر ان مشاريع النقل الكبرى تحتاج لرؤوس اموال كبيرة لا قبل للقطاع الخاص والمالية العامة على تحملها، بينما يرى مختصون واقتصاديون ان النقل العام بمشاريعه هو من اختصاص ومسؤولية الدولة، وهذا ما شهدناه ونراه في معظم ان لم نقل كافة دول العالم.
وحتى لا نغرق في تفنيد هذه المعضلات والتحديات فان عمان الجميلة جديرة بتنظيم مروري وقطاع نقل ركاب متنوع وكفؤ يليق بها وبالمواطنين، وان تحول عمان الى كراج عملاق لمئات الالاف من المركبات القديمة والحديثة، فان البنية التحتية والبيئة تنوء بأعباء غير مبررة، وان ترك الامور على ما هي عليه قد نجد انفسنا امام حركة مرور لا تمكن المواطنين من بلوغ مقار اعمالهم بيسر، وان فاتورة المشتقات البترولية تتفاقم لتشغيل مركبات لفظتها دول عديدة لتقادمها، ووجدت عمان مكبا لسكرابها، وهنا علينا البحث في افضل الحلول وأنجعها، وان بناء قطاع نقل عام منتظم متنوع هو الحل، وان الايمان بأن التراكم الكمي سيؤدي في لحظة ما الى تحول نوعي عناوينه العريضة..
الارتقاء بنوعية الخدمات المقدمة، وتحسين اداء الاقتصاد الاردني ….والبداية ببناء قطاع نقل ركاب حديث وعصري.