لن تجد أحداً في العالم منزعج من الانفتاح الإيراني عموماً مثل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو. منذ مجئ الرئيس حسن روحاني إلى السلطة فإن نتنياهو وضع نصب عينيه التحريض على ايران.. ما جنّن نتنياهو هي زيارة روحاني الى الأمم المتحدة وتصريحاته المعتدلة ولقاءاته مع زعماء غربيين كثيرين. القشة التي قصمت ظهر البعير هي المكالمة الهاتفية التي أجراها أوباما مع الرئيس الإيراني، والتي جعلت رئيس الوزراء الإسرائيلي يصل الى حالة مشتعلة من الغضب. وجعلته يصر على التصريح قبيل مغادرته إلى أميركا لمقابلة أوباما وإلقاء كلمة الكيان الصهيوني في المنظمة الدولية بأنه سيقول للرئيس الأميركي بأن على إيران تفكيك برنامجها النووي وإن لم يتم هذا الأمر فإن إسرائيل ستقوم بتوجيه ضربة عسكرية لهذا المشروع! بالفعل فقد جاءت تصريحات نتنياهو بعد لقائه أوباما وكلمته أمام الامم المتحدة وتحديدا حول الموضوع الإيراني, جاءت في نفس السياق.
وقاحة وعنجهية كبيرة واضحة أظهرها نتنياهو! إلى الحد الذي استفز فيه رئيس الدولة الصهيونية شيمون بيريز الذي صرّح قائلاً: “قد نكون متفقين أو غير متفقين مع الأميركيين, لكن لا أحبذ لهجة الازدراء هذه, إن الآخرين لهم عقول يفكرون بها أيضاً وليس نحن فقط، يتوجب علينا محادثة الأميركيين والتأثير عليهم لا أن نصب جام غضبنا عليهم”. جاء ذلك في تصريح لبيريز لإذاعة الجيش الإسرائيلي. في نفس السياق يأتي تصريح زعيمة المعارضة الإسرائيلية شيلي يحيموفيتش التي قالت:” لا يتوجب علينا المقاربة التي يطغى عليها الشعور بالخوف من الملف الإيراني, إننا مطالبون بكل شيء لتجنب إظهار مصالح إسرائيل والولايات المتحدة بشكل متناقض”. القنصل الإسرائيلي السابق في نيويورك ألون بينكاس صرّح قائلاً:”إن نتنياهو ارتكب خطأ بلعب دور المبشر بالشؤوم! العام الماضي كان الإيرانيون مشكلة العالم ولكن الآن المشكلة هي نحن”. بالمقابل فإن العنجهيين الآخرين مثل ليبرمان طالبوا بقصف إسرائيل للبرنامج النووي الإيراني, كذلك بعض القادة من العسكريين.
الولايات المتحدة اعترفت بحق إيران في استعمال النووي للأهداف السلمية, جاء ذلك في خطاب الرئيس الأميركي اوباما في الأمم المتحدة. هذا يشكل سابقةً أيضاً للدول الغربية التي ستحذو حذو الإدارة الأميركية. على ما يبدو أن الغرب (بمن في ذلك أميركا) تجاوز عقدة نسبة تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، وبخاصة أن المباحثات الإيرانية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ستستأنف قريباً, إضافة إلى أن إيران تُخضع برنامجها النووي لتفتيش الوكالة. واقع الأمر أن شيئاً ما لم يتغير في السياسة الإيرانية, لكن الرئيس روحاني يتعامل بلغة دبلوماسية ناعمة مع إظهار الحرص الإيراني على العلاقات مع كافة الدول, وبخاصة مع الدول الجارات لإيران ( الدول العربية وبخاصة الخليجية)، وهذا يُكسب إيران اعترافاً دولياً بأهمية دورها المحوري الإقليمي, والدليل على صحة ما نقول إن الرئيس الإيراني روحاني قال في تصريح سابقٍ قريب له” بأن إيران لن تتزحزح قيد أُنملة عن حقوقها في استعمال الطاقة النووية للأغراض السلمية”. من زاوية أخرى فإن موقف إيران من الأزمة السورية لم يتغير! هذا الأمر علمياً سيجعل من الدول الغربية عموماً وأميركا بشكل خاص أقرب إلى الموافقة على حضور إيران لمؤتمر “جنيف2″ حول سوريا, المنوي عقده منتصف نوفمبر القادم.هذا سيعزز من دور إيران على صعيد المنطقة. على صعيد آخر:فإن التراجع الأمبركي عن توجيه ضربة عسكرية بمساعد ناتوية وبخاصة فرنسية، قوّى من الدبلوماسية الروسية ـ الصينية ـ الإيرانية وأضاف رصيداً إيجابياً لها, ومعروف أن إيران تشارك في مجموعة دول”البريكس”.
لقد استغل العديدون من الكتّاب والمحللين السياسيين اعتراف إيران بالهولوكوست, والذي جاء على لسان وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف, وكذلك تهنئة روحاني لليهود بمناسبة أعيادهم الدينية ومثلما استغلوا حالة الانفراج التي أظهرتها إيران تجاه الغرب، للتشكيك بمصداقية طهران! ولكن هذه المتغيرات هي هامشية وليست تغييرات تطال جوهر القضايا. وقد جاءت نتيجة لكسب المعتدلين في الانتخابات الرئاسية الإيرانية والذين كان لهم مرشح واحد أمام مجموعة من المرشحين المحسوبين على التيار المحافظ.هذه التغييرات حتى لو كانت سطحية ستعمل على تخفيض الحصار الخانق لإيران من قبل الدول الغربية.
وبالعودة إلى نتنياهو وموضوعة الانفتاح الإيراني: فمن المشكوك فيه أن يجد نتيناهو آذاناً صاغية في واشنطن والعواصم الغربية عموماً للقيام بتوجيه ضربة عسكرية إلى المشروع النووي الإيراني، ذلك أن الولايات المتحدة والدول الغربية عموماً تدرك تداعيات مثل هذا الهجوم إمكانية إغلاق إيران مضيق هرمز. إمكانية ضرب الأهداف الأميركية المتواجدة في المنطقة. إمكانية توجيه ضربات عسكرية إلى إسرائيل من قبل حليفي إيران في المنطقة:حزب الله وسوريا.عملياً فإن من السهل بدء معركة لكن من الصعب جداً إنهاءها.
إسرائيل وبدلاً من الاعتراف بوجود ترسانة نووية إسرائيلية كبيرة إضافة إلى مخزون كبير من أسلحة الدمار الشامل البيولوجية والكيماوية، تود لفت الأنظار إلى البرنامج النووي الإيراني المكرس لاستعمال الطاقة للأغراض السلمية, وتود تحريض دول العالم على توجيه ضربة عسكرية لهذا البرنامج! نتنياهو وبعد فوز حزبه بالانتخابات التشريعية الأخيرة، وبعيد تكليفه بتشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة (الحالية) ومن على منبر جامعة بار ايلان وبعدها وفي تصريحات كثيرة له أعلن: أن التحدي الأول بالنسبة لإسرائيل هو البرنامج النووي الإيراني. وقد أضاف إنه إذا لم تشارك واشنطن والعواصم الغربية في هذا الهجوم فستقوم به إسرائيل منفردةً! بعد الانفتاح الإيراني الأخير من الصعب موافقة دول حلف الناتو على القيام بهجوم على المشروع النووي الإيراني, كما أنها لن تجيز لتل أبيب القيام به منفردة! هذا ضمن حسابات المنطق،لكن أصحاب الرؤوس الحامية في تل ابيب وبعضهم في أميركا لا يتصرفون وفق هذه الحسابات.
د. فايز رشيد
كاتب فلسطيني