حتى قبل وصول بنيامين نتنياهو إلى قاعة الجمعية العمومية للأمم المتحدة لالقاء خطابه، كان يدرك تماماً انه يواجه واقعاً دولياً جديداً، وان الرئيس الإيراني حسن روحاني نجح في أن يسرق منه الاضواء بنبرته التصالحية الجديدة، وابداءه استعداده للتوصل الى حل سلمي لمشكلة المشروع النووي الإيراني. والأخطر من هذا كله، كان احساس نتنياهو العميق بأن دول الغرب كلها تعبت من التهديدات بالحرب ومن استخدام القوة العسكرية، وانها تريد البحث عن سبل أخرى اقل كلفة لحل المشاكل المستعصية للشرق الأوسط.
بدا نتنياهو في نيويورك معزولاً وحيداً يسبح عكس التيار، والاهم بدا كانه خسر وهجه وقدراته على الاقناع. ففي محاولته شيطنة الرئيس حسن روحاني الذي وصفه
بانه “الذئب في ثياب حمل”، بدا نتنياهو متكبراً متعجرفاً يخاطب زعماء العالم كانهم حمقى أو سذج، وانه وحده قادر على سبر الشخصية الحقيقية لروحاني. أما في تحذيراته لدول الغرب من مغبة تخفيف العقوبات على إيران قبل التوصل الى اتفاق نهائي، وتهديده بان إسرائيل لن تقبل بإيران نووية وستدافع عن نفسها وعن غيرها، فقد بدا كأنه يدعي الاضطلاع بدور اكبر بكثير مما يستطيع القيام به. فالجميع داخل إسرائيل وخارجها يدركون تماماً ان هجوماً إسرائيلياً على المنشآت النووية الإيرانية بات أمراً مستبعداً جداً ان لم يكن مستحيلاً، وان العالم برمته سيقف ضد إسرائيل اذا اقدمت على مثل هذا العمل الجنوني.
من هنا يمكن القول ان الانفتاح الأميركي والغربي على إيران شكل نكسة للاستراتيجية التي طبقها نتنياهو لمواجهة الخطر النووي الإيراني، وهو يحتاج الى اعادة صياغة اولوياته كي لا تصير خارج سياق الزمن والاحداث. والسؤال كيف يرد نتنياهو على هذا التبدل في الموقف الدولي الذي لا يصب ظاهراً في مصلحة إسرائيل؟
الرد الأول برز من خلال الحملة الديبلوماسية التي بدأها نتنياهو في عواصم الغرب حيث يشدد على نقطتين: ضرورة اصرار المجتمع الدولي على منع دولة ثيوقراطية مثل إيران من الحصول على القدرة النووية، لان إيران النووية ستكون اشبه بكوريا الشمالية لا مثل باكستان او الهند. والنقطة الثانية حض الدول على عدم تخفيف عقوباتها الاقتصادية على إيران قبل التوصل الى اتفاق شامل معها حدد نتنياهو شروطه في خطابه. يبدو ان نتنياهو مرغم على اعادة صياغة موقف إسرائيلي من الموضوع النووي الإيراني، يضمن المصالح الامنية لاسرائيل وفي الوقت عينه يمنع تصدع علاقاتها مع دول الغرب ولا سيما منها الولايات المتحدة. وهو سيحاول تجنيب إسرائيل دفع ثمن التبدل الايجابي في موقف الرأي العام الغربي والأميركي من إيران.